وفيات العنف بإبادة دارفور الجماعية: لا مبالاة، ومراوغة، وعار دولي
إيريك ريفز | 28 أبريل 2017م|
(English) http://wp.me/p45rOG-22K
(Arabic) http://wp.me/p45rOG-233
توضح بيانات مستمدة من مجموعة من المصادر، فضلاً عن تقارير وتحليلات ومسوحات محدودة، أن أكثر من 600,000 شخصاً قد لقوا حتفهم، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، جراء أعمال العنف التي نظمتها الجبهة الإسلامية القومية/ حزب المؤتمر الوطني في الخرطوم على مدى الـ14 عاماً الماضية من مكافحة التمرد الإبادية في دارفور. الضحايا في غالبيتهم الساحقة من الجماعات القبلية غير العربية/ الأفريقية في دارفور، على الرغم من وجود عدد مقدر من وفيات العنف المصاحبة بين بعض الجماعات القبلية العربية، كنتيجة لعنف قبلي في الأساس.
منذ أكثر من عقد من الزمان جعلت الخرطوم من التبليغ بشأن الوفيات عملاً محظوراً لكل من الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الدولية غير الحكومية: فجمع بيانات الوفيات قد يؤدي لتهديدات بالعنف أو لطرد أولئك الذين يجمعون أو ينشرون البيانات. هذه الحقيقة نقلها لي مباشرة مسؤول كبير بالأمم المتحدة كان يشرف على آخر مجموعة بيانات عن دارفور، وهو الدكتور ديفيد نابارو من منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة (2005-2006). ولهذا السبب اضطر جون هولمز، مدير العمليات الإنسانية بالأمم المتحدة، في مؤتمر صحفي عقد في أبريل 2008 أن يقدم استقراء من البيانات التي تمكن فريق نابارو من جمعها في السنوات السابقة:
الأمم المتحدة- قام مدير العمليات الإنسانية في الأمم المتحدة يوم الثلاثاء بتحديث العدد المقدر للوفيات المرتبطة بالنزاع فى دارفور إلى حوالى 300 ألف شخص، وأعرب عن أسفه لوقف الجهود الرامية لحل الأزمة على كافة الجبهات. وقال جون هولمز وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الانسانية فى إفادة لمجلس الأمن أن استمرار الهجمات يزيد من صعوبة وصول العاملين فى مجال المساعدات للسكان المعرضين للخطر، وأن المساعدات الغذائية ستنخفض للنصف، وأن نشر قوات حفظ السلام واجهته عقبات، وأن عملية السلام قد توقفت. وقال “إننى حزين وغاضب لأنه وبعد خمس سنوات من المعاناة، وأربعة أعوام منذ ضلوع هذا المجلس في المسألة بنشاط، فإننا لم نتمكن بعد من إيجاد حل دائم لمعاناة هؤلاء الملايين من الرجال والنساء والأطفال”. (لوس أنجلس تايمز، 23 أبريل 2008 | http://articles.latimes.com/2008/apr/23/world/fg-darfur23/).
وقد قام موقع سودان تربيون بأفضل التقاط لطبيعة هذا التقدير:
قدر جان ايغلاند، سَلَف هولمز، فى عام 2006 بأن 200 ألف شخص قد فقدوا أرواحهم بسبب النزاع، بما فى ذلك الوفيات الناجمة عن العنف، والمرض، وسوء التغذية. وقال إن هذا يستند لمسح مستقل للوفيات أصدرته فى مارس 2005م منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة. وقال هولمز بالثلاثاء “لا بد أن ذلك الرقم قد ارتفع للغاية، وربما بأكثر من النصف”.
ورداً على سؤال الصحافيين قال هولمز إن تقدير 300 ألف قتيل “ليس رقماً مبنياً على أساس علمي صارم” وذلك لعدم وجود دراسات جديدة للوفيات في دارفور، ولكنه”استقراء معقول”. وقال “ما أقوله هو أنه لو كان رقم 200 ألف صحيح بأي شكل كان فى عام 2006، فإن ذلك الرقم لا بد من أن يكون ارتفع كثيراً الآن”. (سودان تريبيون، 24 أبريل 2017 |
http://www.sudantribune.com/spip.php؟article26883/)
مؤكد أن هولمز كان على حق في أن الرقم “يجب أن يكون أعلى بكثير الآن [2008]” مما كان عليه في عام 2006. ولكن منع الخرطوم لجمع البيانات عن الوفيات يعني أن كل ما كان يمكن أن يقدمه هو “تقدير تخميني”، وهو ليس تقديراً غير معقول مع عدم وجود بيانات جديدة، ومع التركيز الأساسي على وفيات المعسكرات، وليس الوفيات خارج المعسكرات، الشيء الذي أكده لي بشكل قاطع دكتور نابارو.
ولكن هذا كان قبل تسع سنوات، واستمر العنف، بتصاعد دراماتيكي ابتداء من عام 2012. وكانت الأعوام منذ 2013 وحتى 2016م سنوات وفيات عنف هائلة، وبلا تناسب بسبب قوات الدعم السريع، وذلك إثر تحريضهم من قبل نائب الرئيس حسبو محمد عبد الرحمن (إفادة لهيومن رايتس ووتش من أحد أفراد المليشيا الهاربين يُدعى “أحمد”):
أحمد، وهو ضابط في حرس الحدود، يبلغ من العمر 35 عاماً، قضى أسبوعين في قاعدة عسكرية بقوبا [شمال دارفور] في ديسمبر 2014 قبل أن يرسل لقتال المتمردين حوالي فنقا. وكان اثنان من كبارالمسؤولين بقوات الدعم السريع، الضابط القائد، النورقبة، والعقيد بدري اب كريش موجودين في قاعدة قوبا.
وقال أحمد إنه وقبل بضعة أيام من مغادرته متوجهاً لشرق جبل مرة، خاطب نائب الرئيس السوداني حسبو محمد عبدالرحمن عدة مئات من الجيش وقوات الدعم السريع مباشرة:
“قال لنا حسبوأن نطهر منطقة شرق جبل مرة. أن نقتل أي ذكر. قال إننا نريد أن نطهر المنطقة من الحشرات .. وقال إن شرق جبل مرة هو مملكة المتمردين. ولا نريد أن يكون أي شخص هناك على قيد الحياة “.
“رجال بلا رحمة”: قوات الدعم السريع تهاجم المدنيين في دارفور، السودان، (9 سبتمبر 2015)
إن دراستي التفصيلية للعنف في دارفور خلال الفترة من نوفمبر 2014 إلى نوفمبر 2015 تؤكد فعالية تحريض حسبو (“تغيير التركيبة السكانية في دارفور”: انتزاع الأراضي الزراعية بعنف وتدميرها، نوفمبر 2014 – نوفمبر 2015 “1 ديسمبر 2015 | http://sudanreeves.org/2015/12/16/7061/).
في أغسطس 2010م، وعقب البيانات الهامة للغاية التي جمعت في شرق تشاد من قبل “أصوات دارفوريةDarfurian voices “، كتبت تحليلاً جديداً لوفيات العنف، وتوصلت لنتيجة مفادها أن معدل الوفيات في ذلك الوقت تجاوز 500,000. كنتُ قد قمت بأكثر من اثني عشر جهداً مماثلاً في السابق، محاولاً كما فعل آخرون القيام باستقراء البيانات القيمة بنفس القدر والتي جمعها التحالف من أجل العدالة الدولية (CIJ) في أغسطس- سبتمبر 2004م، وذلك بناء على طلب من وزارة الخارجية الأمريكية. وبدت لي هذه البيانات الصادرة عن التحالف من أجل العدالة الدولية والتقرير المصاحب لها، تبرر تقديراً بحوالي 400,000 حالة وفاة تتصل بالعنف بصورة مباشرة أو غير مباشرة؛ وقد توصل آخرون لاستنتاجات مماثلة. وبحلول أبريل من عام 2006م، أيدت دراسة استقصائية لجميع التقارير والبيانات بقوة تقدير 450,000. وينبغي التأكيد مرة أخرى على أن تقديرات الأمم المتحدة كانت في المقام الأول للوفيات بين أولئك الذين قادهم العنف لمعسكرات النازحين حيث كثيراً ما تكون المساعدات الإنسانية قاصرة بصورة محزنة.
وشكلت البيانات المستمدة من “أصوات دارفورية” الأساس الأولي لاستنتاجي أنه بحلول أغسطس 2010، توفي أكثر من 500,000 دارفوري نتيجة للعنف بشكل مباشر أو غير مباشر.
هذه الفقرات الحالية تصف سياق قيامي بإعادة تدوير ذلك التحليل والاستنتاج. وبالنظر للاستشهاد غير المسؤول والمتكرر وخارج سياقه من قبل وكالات الأخبار لتقدير الأمم المتحدة “التخميني” بـ300,000 وفاة في أبريل 2008 – أي قبل تسع سنوات – فإنه يبدو جهداً مبرراً. إن الوثيقة التي أعيد تدويرها هنا تتضمن تحديثاً من نتيجة خلص إليها مسح الأسلحة الصغيرة (جنيف) في عام 2011 بشأن حساب وفيات العنف، على أساس نسبة معينة:
تعد نسبة أربعة وفيات غير مباشرة إلى وفاة واحدة مباشرة في النزاعات المعاصرة تقديراً معقولاً.
وعلى هذا الأساس، علاوة على تحليل السنة من نوفمبر 2014م إلى نوفمبر 2015م (وما يترتب عليه بالنسبة للسنوات السابقة والتالية)، فإنني أقدر الآن أن ما يقارب من 600,000 من أبناء دارفور قد توفوا جراء العنف بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
هذا رقم صاعق، وضعف الرقم الذي تذكره تقريباً كل وكالات الأخبار في العالم. أحد الاستثناءات البارزة كانت إفادة الغارديان في يوليو 2016م، إذ استخدمت رقمي حينها وهو 500,000. تتراوح تقديرات الوفيات خلال إبادة رواندا الجماعية تقريباً بين 500,000 و1 مليون، بيد أن 800,000 هو الرقم الأكثر شيوعاً. لقد دخل معدل وفيات دارفور الآن هذا المدى من التقديرات، ويستمر العنف بمناطق عديدة فيما صار الآن “دولة مليشيات” (انظر/ي حول هذا الوصف التقريران المهمان والحديثان جداً لمسح الأسلحة الصغيرة ومشروع كفاية؛ هناك توافق مرعب بين استنتاجاتهما).
سيجادل البعض بأنه لا دراسة التحالف من أجل العدالة CIJ ولا تقرير “أصوات دارفورية” دراسات مختصة بالوفيات في حد ذاتها. وفي حين أن هذا صحيح بالتأكيد، فإن المترتبات على البيانات المقدمة ببساطة لا يمكن تجاهلها، حتى لو كان ذلك يتطلب افتراضات – متحفظة دائماً – في مختلف مراحل التحليل الإحصائي. وأود أن أشير إلى أن عالم التقارير الأخبارية يبدو مرتاح البال باستخدام رقم قدمه جون هولمز قبل تسع سنوات، ووصفه بنفسه بأنه “ليس مبنياً على أساس علمي صارم”، ولكنه “استقراء معقول”.
وجهة نظري الخاصة، التي يتشاركها بعض اختصاصيي الأوبئة البارزين، هي أننا أخلاقياً لا يمكننا ببساطة تجاهل وفيات العنف الواضح ضخامتها وننتظر لينتهي العنف حتى نتيح تحليلاً وبائياً مهنياً – ليس حينما تكون الأرقام صاعقة وكبيرة بشكل لا يغتفر كما في إبادة دارفور الجماعية. إضافة لذلك، فإن تقرير مركز أبحاث وبائيات العنف Center for Research on the Epidemiology of Violence (CRED)(ليوفن، بلجيكا) يوفر دراسة حالة عن مدى إساءة الفهم حتى بين اختصاصيي الأوبئة للبيانات والتقارير عندما لا يكونوا على دراية كافية بالحقائق السياسية والعسكرية والإثنية الأوسع في منطقة مثل دارفور؛ إن نقاش الأخطاء الفظيعة في تقرير المركز الصادر في يناير 2010م قد تم باستفاضة في تحليلي بتاريخ أغسطس 2010. وأبرزها أن المؤلفين استخدموا وثيقة لوزارة الخارجية الأميركية غير موثوقة (وتم سحبها) وذلك للتوصل لاستنتاج خاطيء تماماً بأنه في الفترة من فبراير 2003 إلى أغسطس 2003م كانت في دارفور “من 1000 إلى 4,500” حالة وفاة ناجمة عن مختلف الأسباب. وهي فترة كان عنف المليشيات والقوات السودانية المسلحة يقتل عشرات الآلاف من الناس مباشرة، وعبر آثار النزوح القسري المروعة.
**************************
تحديث وفيات دارفور، 6 أغسطس 2010م- تحديث في نوفمبر 2016
- جدير بالذكر أن الغارديان (المملكة المتحدة)، 7 يوليو 2016م، استخدمت تقديري أن 500,000 توفوا لمختلف الأسباب في دارفور وشرق تشاد: https://www.theguardian.com/world/2016/jul/07/princess-tea-darfur-khartoum-royal-family-fall-from-grace/
- لقد مررت مؤخراً فقط على تقدير مسح الأسلحة الصغيرة البارز والمختصر هذا، المبني على مدى واسع من تقارير المنظمة:
مسح الأسلحة الصغيرة (جنيف)، 2011م
- إن أثر الفتك في الحرب الحديثة يتجاوز كثيراً عدد الجنود والمدنيين الذين يموتون بعنف خلال القتال المسلح أو الصدام. ومع أن المحاربين رجالاً ونساءً هم الضحايا الظاهرين، فإن النزاعات المسلحة تساهم كذلك في زيادة معدلات الوفيات والمرض بين السكان المدنيين – وذلك لحد كبير عن طريق انتشار الأمراض المعدية، وتدمير المنشآت، وفقدان الممتلكات، وتحويل الموارد الشحيحة بعيداً عن الخدمات الأساسية.
حقاً:
- تعد نسبة أربع وفيات غير مباشرة إلى وفاة واحدة مباشرة في النزاعات المعاصرة تقديراً معقولاً.
ومن المؤكد أن التمييز بين الوفيات “المباشرة” وغير المباشرة” في دارفور يمكن أن يكون صعباً للغاية، ويعتمد كثيراً على افتراضات محددة حول ما يشكل وفيات “مباشرة”، ولكن إذا كان تقدير مسح الأسلحة الصغيرة هذا ينطبق على دارفور، وهي إحدى مناطق النزاع التي درستها المنظمة بكثافة كبيرة، وإذا كانت هناك ولو 100 ألف وفاة عنيفة “مباشرة”، وهو رقم متحفظ للغاية، إذن فقد توفي أكثر من 500,000 شخص. وبما أن تقدير معدل وفيات العنف في هذا التقرير (حتى أغسطس 2010 ) قد كان أعلى بكثير (بالرغم من أنه لا يحاول تمييز الوفيات “المباشرة” عن “غير المباشرة”)، فإن الرقم الإجمالي لمعدل الوفيات باستخدام نسبة مسح الأسلحة الصغيرة يتجاوز بكثير 600,000 من الوفيات المباشرة وغير المباشرة.
*************************************
قياس الإبادة: تحديث وفيات دارفور، 6 أغسطس 2010
إيريك ريفز | 6 أغسطس 2010
(النص الكامل يتبع في | http://wp.me/p45rOG-22K)
—
اريك ريفز، زميل أقدم بمركز فرانسوا-كزافييه باغنود للصحة وحقوق الإنسان، جامعة هارفارد