المدنيون يواجهون الدمار بالجملة في منطقة دارفور السودانية
اريك ريفز
نقلاً عن الوشنطن بوس 28 يوليو 2013
“The World Forgot Darfur. Khartoum Didn’t,” The Washington Post, July 28, 2013 (Sunday)
Eric Reeves •
[ “The World Forgot Darfur. Khartoum Didn’t”: this is a re-posting, in Arabic translation, of my July 28 (Sunday) op/ed in the Washington Post. Nothing has changed to make the crisis less urgent, involve fewer millions of human beings, or reflect less scandalously on the international community. The piece was first put on-line by the Post July 26, 2013:
يعمل اريك ريفز بروفيسوراً بكلية سميث, وله كتابات كثيرة في الشأن السوداني
بعد سنوات من الغموض, والقليل من التقارير الدولية الموثوقة، عادت الكارثة الإنسانية الواسعة, في منطقة دارفور بغرب السودان, مرة أخرى إلى واجهة الأخبار. وكانت هذه الكارثة الإنسانية قد احتلت بانتظام عناوين الصحف قبل عام 2008، حينما كانت سنوات الإبادة الجماعية الخمس وقتها قد حصدت مئات الآلاف من أرواح الأفارقة الدارفوريين, غير أن غياب الاهتمام العام المستمر كان يعني أيضاً أن العنف المتصاعد سيغيب عن رادرات الالتقاط.
مع ذلك فقليلون هم الذين كان يمكن أن يتكهنوا أن تلك المنطقة النائية والغامضة في غرب السودان يمكنها أن تقود إلى احتشاد المجتمع المدني الأمريكي بتلك الصورة. ثم مرة أخرى، بأن فقدان الاهتمام يمكن أن يحدث بهذه السرعة؟
فقد قدرت الأمم المتحدة في تقرير صدر حديثاً أن 300,000 من سكان دارفور أجبروا على النزوح في الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام، و تم تشريد أكثر من مليون من المدنيين منذ خريف عام 2008. وذكرت منظمة هيومان رايتس ووتش مؤخراً أن “صور الأقمار الصناعية تؤكد تدميراً واسع النطاق لقرى في ولاية وسط دارفور, من جراء هجوم وقع في ابريل من هذا العام”. وقد قاد ذلك الهجوم علي كوشيب، الذي وجهت إليه المحكمة الجنائية الدولية تهماً بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في عام 2007.
ويقدم راديو دبنقا – وهو شبكة أخبارية مميزة نظمها دارفوريون نازحون مع آخرين مقيمين في المنطقة – يقدم تقارير يومية مفصلة للغاية حول الأحداث في دارفور. وعلى الرغم من أنه من النادر أن تنقل عنه وكالات الأنباء، التي لا تستطيع الوصول إلى دارفور بنفسها، إلا أن راديو دبنقا له سجل طويل من التقارير حول الاعتداءات الوحشية على معسكرات النازحين، والإخفاقات المزمنة لجهود العون الإنساني الواسعة في دارفور، وداء الاغتصاب, واستيلاء المليشيلت العربية على أراضي السكان الأفريقيين، والتي تضمن استمرار عدم الاستقرار وموجات النزوح المتواصلة.
ولا يزال العداء العرقي أمراً واضحاً في الاعتداءات التي تحدث، وذلك على الرغم من تزايد الدمار الذي تحدثه الصراعات بين القبائل العربية, في السنوات الأخيرة. وقد استأنف نظام الخرطوم، الذي لا يمكنه هزيمة المتمردين في دارفور عسكرياً, من جانب, ولكنه اختار من جانب آخر ألا يستجيب لمظالمهم المشروعة، استأنف النظام حملة الأرض المحروقة، وذلك باستخدام ميليشيات عربية وغير عربية ضد أي شخص يعتقد النظام أنه يقدم دعماً للمتمردين. وأصبحت منطقة جبل مرة بوسط دارفور رقعة للحصار الإنساني لمدة ثلاث سنوات, وهدفاً للقصف الجوي الذي لا نهاية له بواسطة طائرات شحن روسية الصنع, تم تعديلها بصورة فجة لإسقاط قنابل من البراميل المحملة بالشظايا الحديدية. وفيما عدا إذا كانت الطائرات تستهدف مواقع عسكرية, فقد تسببت هذه الهجمات الجوية في أعداد لا تحصى من الضحايا المدنيين, بالإضافة إلى تدمير ممتلكات ومواشي السكان الفور, بشكل أساسي, ذوي الأصول غير العربية.
وعلى الرغم من أن العنف كان ينحسر, تارة, ويتصاعد, تارة أخرى, على مدى العقد الماضي، فقد تسارعت وتيرته بشكل حاد في العام الماضي. مع ذلك وحتى وقت قريب، كان مستوى التغطية الأخبارية تافهاً –وفي الغالب الأعم- مضللاً للغاية. ففي فبراير 2012، أعلنت صحيفة نيويورك تايمز من غرب دارفور أن “واحداً من الصراعات الأسوأ سمعة في العالم قد يكون انحسر بصورة حاسمة”، مشيرة إلى “عودات” النازحين كدليل على ذلك. في الواقع، كان نصف مليون شخص قد أجبروا على النزوح في السنتين السابقتين وسط موجات من عنف لا يهدأ . وفي أغسطس الماضي، أصبحت المنطقة الغربية من ولاية شمال دارفور ساحة أخرى للعنف من خلال استيلاءات ذات طبيعة قبلية على أراضي مناجم الذهب بجبل عامر. في هذا السياق اعتدت مليشيات عربية على بلدة كتم الرئيسية, حيث نهبت الموارد الإنسانية التي كانت فيها. كما تم الاعتداء على معسكر كساب المجاور, حيث أفرغ من 30,000 ألفاً من ساكنيه في ظرف يوم واحد. لقد وصف باراك أوباما -عندما كان سناتوراً في 2004- الفظائع التي حدثت في درافور بأنها “إبادة جماعية”. وكرر هذا القول مرة أخرى عندما أصبح مرشحاً للرئاسة عام 2007, وانتقد بشدة إدراة بوش لتعاملها مع نظام الخرطوم, مستدعياً ذكريات رواندا والبوسنة كمبرر للتدخل الإنساني في دارفور. وقال أوباما وقتها: “لا يمكننا أن نقول:’لن يحدث هذا أبداً مرة أخرى‘ ثم نسمح له بأن يحدث مرة أخري، كرئيس للولايات المتحدة ، لا أنوى التخلى عن الناس أو غض الطرف عن المذابح”.
لكن المذابح تواصلت في درافور: فقد قُتل في السنوات العشر الماضية نحو 500,000 شخص, لأسباب مرتبطة بالحرب. وفي عام 2009، عندما أصبح أوباما رئيسا للبلاد، أعلن مرة أخرى أن “الإبادة الجماعية” تحدث في دارفور، غير أنه لم يترتب على هذا القول إلا القليل من الأفعال. من المؤكد أن أحداثاً كثيرة قد تعاقبت في السنوات التي تلت انتخاب أوباما، بما في ذلك الربيع العربي، والانسحاب من أفغانستان، وتصاعد التوتر مع الصين, وانهيار الاقتصاد العالمي, لقد استهلكت هذه القضايا، التي تمس بشكل مباشر مصالح الولايات المتحدة والتزاماتها الدولية -بأكثر مما تفعل دارفور- جل جهود وطاقات الادارة الامريكية.
وبذلك وجد شعب دارفور الأعزل نفسه بلا حماية, إلى حد كبير بسبب الغياب الذي لا يغتفر للاهتمام و القيادة من جانب الولايات المتحدة. إذ لم تقابل أو تتماشى سياسات إدارة أوباما مع خطابه المعلن. في الواقع، وفي اقتصاص غريب من سياسات ادارة الرئيس جورج بوش التي انتقدها اوباما بشدة ، قال أحد كبار المسئولين في الإدارة, في 8 نوفمبر 2010، صراحة, إن الادارة “فصلت” قضية دارفور من أهم قضية ثنائية بين واشنطن و الخرطوم: وهي مكان هذه الأخيرة في القائمة الامريكية للدول الراعية للإرهاب . لقد مثل ذلك في الواقع تحويلاً للاهتمام نحو جنوب السودان, وتنفيذ اتفاقية السلام الشامل لعام 2005. غير أن الإشارة التي وصلت الخرطوم هي أن النظام يمكن أن يستأنف محاربة التمرد في دارفور, بوسائل الإبادة الجماعية. ومن ثم فقد كانت الحملة التي قادها النظام هذه المرة أكثر فوضوية, مقارنة بالسنوات الأولى للإبادة الجماعية ( 2003- 2005 )، ولكنها لم تقل عنها تدميراً، و مع انهيار الجهود الإنسانية بسبب الغياب المتصاعد للأمن في دارفور ، يمكن أن يكون دمار المدنيين بالجملة هذه المرة.
لقد حان الوقت لـ”إعادة ربط” دارفور بجميع القضايا الثنائية بين واشنطن و الخرطوم.