(Part 2) تسليح المتمردين في السودان وجنوب السودان: ما هو الدليل؟
اريك ريفز / يوني 2013
[ Arabic translation of “The arming of rebels in Sudan and South Sudan: What is the evidence?” (Part 2) http://www.sudanreeves.org/?p=4059 ]
أما من دارفور فلدينا سيل من التقارير عن القصف المكثف في كل ولايات دارفور الثلاث، على وجه الخصوص في منطقة شرق جبل مرة, في وسط دارفور.
كذلك مثل الهجوم على خور أبشي في جنوب دارفور -وهو الهجوم الذي تطرق إليه السيد هامر, المتحدث باسم مجلس الأمن القومي– دون شك جريمة وحشية، هي واحدة من بين عدة آلاف أخرى ارتكبت على مدى السنوات العشر الماضية؛ لماذا، إذاً، لم يقدم المتحدث باسم مجلس الأمن القومي, أي إشارة محددة لما يعنيه بوقت ” نشهد فيه أدلة متزايدة على دعم حكومة…جنوب السودان للمحاربين بالوكالة” ما هو الدليل؟ هل مثل هذا الدليل -إذا كان موجوداً كشئ أكثر من مجرد نفعية دبلوماسية- هل يبرر بأي صورة مقارنته بما حدث من فظائع في خور أبشي، وهي بلدة عصفت بها الحرب ودمرتها بوحشية في فترة سابقة من الصراع في دارفور؟ لم يًقدم أي دليل، وهكذا أصبحت هذه الحادثة لحظة أخرى من لحظات المساواة المخادعة أخلاقياً من جانب إدارة أوباما، والتي انضمت إليها مراراً كل من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، والاتحاد الأوروبي.
في الواقع، يبدو الاتحاد الأوروبي, وبأساليب عديدة, حتى أكثر تعلقاً بهذه المساواة الأخلاقية. ففي أعقاب القتال الذي دار في منطقة تشوين (ولاية الوحدة), وفي منطقة هجليج-بانثو المتنازع عليها إلى الشمال الغربي (مارس / أبريل 2012)، اندفعت جهات دولية عدة, عملياً فوق بعضها البعض, لإدانة جوبا على “غزوها” للسودان، وكانت الأمم المتحدة أكثرها حماساً:
“إن قيام القوات المسلحة لجنوب السودان باحتلال هجليج, هو أمر غير مقبول مطلقاً، وبنفس القدر استمرار القصف الجوي لأراضي جنوب السودان من قبل القوات المسلحة السودانية”، وقالت مسئولة الإتحاد الاوروبي للشئون الخارجية كاثرين آشتون عبر متحدث بإسمها ‘يجب على الطرفين أن يتوقفا أيضا عن دعم الجماعات المسلحة في أراضي الدولة الأخرى، ووقف الأعمال العدائية، وسحب قواتهما على الفور إلى داخل حدودهما, واحترام السلامة الإقليمية لكل منهما”.
وقد وجدت هذه المواقف صدى لدى مجلس الأمن الدولي, الذي قال:
“يطلب مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وضع حد فوري, كامل, وغير مشروط لكل أشكال القتال, وأعمال العنف, ويدعو إلى انسحاب (جيش جنوب السودان) من هجليج؛ ووقف هجمات القصف الجوي لـ(القوات المسلحة السودانية), وإنهاء حوادث العنف المتكررة عبر الحدود بين السودان وجنوب السودان, ووضع حد لدعم كل من الجانبين للمحاربين بالوكالة في الجانب الآخر”.
مرة أخرى، وعلى الرغم من النقص الواضح في الأدلة على أن هناك أي دعم كبير تقدمه جوبا إلى المجموعات المتمردة في الشمال، فإن هذا هو, على وجه التحديد, ما يدعيه ضمناً الاتحاد الأوروبي ومجلس الأمن الدولي في هذه التصريحات المراوغة. علاوة على ذلك، كانت إدانة جوبا والجيش الشعبي في هذه المناسبة متسرعة وغير دقيقة، تتجاهل حقيقة أن الجيش الشعبي تعرض للهجوم مرتين من القوات المسلحة السودانية, وذلك في ثكناته قرب تشوين. وتتجاهل كذلك التعقيدات الجغرافية لهذه المنطقة المحاصرة. إذ أوضحت تقارير ميدانية من أرض الواقع أن ما قالته جوبا كان صحيحا إلى حد كبير، وأن تقارير الخرطوم حول من بدأ القتال كاذبة تماماً. (وبالتأكيد لم تساعد الصحافة غير المهنية كثيراً في إجلاء الموقف).
أيضاً تتضمن الإعلانات الصادرة عن هذه الجهات الدولية الفاعلة تحديداً ظنياً مسبقاً لأين تقع هجليج. [http://www.sudanreeves.org/2012/04/14/where-is-heglig/]، وقد أدى ذلك إلى خسارة مضافة لثقة جنوب السودان في حياد المجتمع الدولي ومفاوضيه، على الأقل في مفاوضات ما بعد اتفاقية السلام الشامل. وبالتأكيد لم يساعد كثيراً أن تكون المقارنة متفاوتة بهذا الحجم, بين الغضب الفوري للمجتمع الدولي في مواجهة جوبا والحركة الشعبية على القتال في منطقة تشوين / هجليج-بانثو, وردود الفعل غير المجدية على حشود جيش الخرطوم بالقرب من أبيي في بدايات عام 2011, ثم الإستيلاء على المنطقة في 21 مايو 2011. ولا تزال ابيي تحت السيطرة العسكرية الفعلية للخرطوم بحكم الأمر الواقع, كما تعلم جيداً اليونيسيفا (UNISFA), والسكرتارية العامة للأمم المتحدة وإدارة عمليات حفظ السلام. وتظل هذه المنطقة واحدة من بؤر التوتر الأكثر احتمالاً لإشعال حرب جديدة، ومثالاً نموذجياً لتكلفة النفعية وعدم الكفاءة الدبلوماسية، التي تتجسد في مفاوضي الاتحاد الافريقي, من شاكلة ثابو مبيكي.
منطق وعواقب النفعية
انتهى الخيار الدبلوماسي المفضل في التعبير, خلال العامين الماضيين, إلى نسخة ما من الطلب إلى”كلا الطرفين وضع نهاية للدعم الذي يقدماه للمحاربين بالوكالة في البلد الآخر”. ليس من شك في أن هذه وسيلة مراوغة لتجنب الاضطرار إلى مواجهة انعكاسات الأدلة الموجودة في متناول اليد، وبالتالي مواجهة الخرطوم مباشرة على أفعال هي وحدها المذنبة فيها. إذ يشعر الدبلوماسيون والفاعلون الدوليون أن مثل هذه المواجهة، ستؤدي إلى تقويض مصداقية الخرطوم وشرعيتها كشريك في مفاوضات السلام، وبالتالي تجعل اتفاقاً نهائياً أكثر صعوبة, في آخر الأمر. ويبدو من هذا المنطق أن النجاح يعتمد على تحميل كل من الطرفين المسؤولية بالتساوي عن العنف وعمليات المتمردين. غير أن الخرطوم باستشعارها لهذا المنطق وهو يعمل، أصبحت أكثر إصراراً على أن جوبا هي المسئولة عن دعم الجيش الشعبي- قطاع الشمال, والجبهة الثورية بصورة عامة، بينما كان رد المجتمع الدولي هو المراوغة. غير أنه ليس بإمكان المفاوضات أن تشق طريقها بالمراوغة إلى مجموعة ذات مغزى من الاتفاقيات التي من شأنها أن تقلل من خطر تجدد الحرب.
لذلك فإن الإعلانات المتكررة للخرطوم عن دعم جوبا لمجموعات المتمردين التي تحارب في الشمال –معتمدة دائماً على تأكيدت صلعاء، وليس, أبداً, على أدلة تُقدم فعلياً- تساعد أيضاً في تبرير الهزائم العقابية المحرجة التي تلقتها القوات المسلحة السودانية, خاصة في جبال النوبة، وعلى نحو متزايد في دارفور, وفي أجزاء أخرى من جنوب كردفان. وبما أن المجتمع الدولي ممثلا في الأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي، والإتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة, يود بوضوح إجراء مفاوضات مباشرة بين نظام الخرطوم والحركة الشعبية- قطاع الشمال, فيبدو أن التنديد بالدعم -غير الموجود- من جنوب السودان للمتمردين في الشمال, هو هذا الثمن الذي يجب دفعه. مرة أخرى، وبالنظر إلى الهزائم المهينة التي تلقتها القوات المسلحة السودانية, في ساحات المعارك, على مدى العامين الماضيين, فلا يتبقى غير التحجج بأن الحركات المتمردة تحصل على دعم من جوبا, مبرراً لهذا العدد الكبير من الهزائم المهينة.
لقد أوصلت الحسابات النفعية للمحاورين الدبلوماسيين, الأزمة السودانية, حالياً, إلى درجة الحمى، التي تصبح معها احتمالات الحرب الواسعة, واضحة وحقيقية جداً. غير أن هذا ليس هو الوقت المناسب للبحث عن المنافع والمصالح: إذ ينبغي أن يسترشد المجتمع الدولي بالأدلة، التي جُمعت على الارض, في جنوب السودان وجنوب كردفان، بدلاً من الركون إلى تدابير تكافؤية, تستند فقط على متطلبات العملية التفاوضية.