تسليح المتمردين في السودان وجنوب السودان: ما هو الدليل؟
اريك ريفز / يوني 2013
[ Arabic translation of “The arming of rebels in Sudan and South Sudan: What is the evidence?” http://www.sudanreeves.org/?p=4059 ]
[al-Hurriyat, June 26, 2013]
أصبح الطابع العام للتقارير الصحفية, وعدد كبير من الكتابات التحليلية, وتقريباً كل التصريحات الدبلوماسية حول الدعم العسكري للمجموعات المتمردة –في جنوب السودان والسودان- نوعأ عجيب من “عملية موازنة”. لقد أصبحت هذه الموازنة, في الواقع, أمراً شاذاً وغريباً, وذلك بالنظر إلى المؤشرات الكثيرة بأن هذا الدعم العسكري هو بالكامل من طرف واحد. فكل الأدلة المتوفرة توضح أن دعماً عسكرياً مقدراً –من الأسلحة والذخائر تحديداً- يصب مباشرة من الأجهزة الأمنية للخرطوم في حضن العديد المتمردين المارقين الذين يحاربون في جنوب السودان. في المقابل, لم يقدم أي طرف –سواء الخرطوم أو هيئات دبلوماسية, أو صحفيين ذوو مصداقية- أدلة دامغة بأن جوبا تقدم أي شئ يمكن مقارنته حتى من بعيد بذلك الدعم الذي تقدمه الخرطوم. ويجب أن يكون واضحاً بالنسبة لنا هنا أن جوبا تعي تماماً أن أي دليل على دعمها للمتمردين الشماليين سيكلفها أثماناً غالية في أي سياق دبلوماسي؛ وبالنظر إلى صعوبة إخفاء إمدادت رئيسية بالأسلحة – خاصة وأن الجنوب يفتقر إلى الوسائل الجوية لتوصيله- فإنه من غير المرجح جداً أن تخاطر جوبا بإعطاء الخرطوم الدليل الذي تسعى بكل ما تستطيع لكي تقول إنها تمتلكه, والمجموعات المتمردة داخل السودان الشمالي تفهم هذا الأمر جيدأ, حتى وإن كان ذلك بامتعاض في بعض الحالات.
والامر المشجع هنا أن معظم المجموعات المارقة المتمردة في الجنوب, التي تسلحها الخرطوم قد تم تشتيتها, أو قد قبلت بالعفو الذي صدر من جوبا, باستثناء كبير هو مجموعات الياو ياو الوحشية في ولاية جونقلي. وفي كل واحدة من استسلامات هذه المجموعات, قامت منظمة مسح الأسلحة الصغيرة: (جنيفاhttp://www.smallarmssurveysudan.org/facts-figures/arms-and-ammunition-tracing-desk.html), بفحص دقيق للأسلحة والذخائر التي كانت تستخدمها هذه المجموعات. وكانت النتيجة, أن منظمة مسح الأسلحة الصغيرة قدمت دليلاً واضحاً على أن مصدر الأسلحة هو الخرطوم, وأنها مصنعة كالعادة, في الصين وايران وبلدان الاتحاد السوفيتي السابق, والسودان ذاته. كذلك كانت القوات المسلحة للخرطوم باستمرار هي المصدر الثابت للأسلحة التي استولى عليها جيش جنوب السودان من المجموعات المتمردة.
على العكس من ذلك لم يقدم نظام الخرطوم, بما في ذلك قواته المسلحة وأجهزته الاستخبارية, أبداً, حتى مجرد خيطاً من الدليل, بصورة علنية, يوضح أن جوبا قدمت دعماً عسكرياً مادياً للمتمردين الذين يحاربون في السودان, سواء كانوا الجيش الشعبي لتحرير السودان – شمال, أو التحالف الأوسع المعروق بالجبهة الثورية, والذي يضم أيضاً مجموعات متمردة من درافور (أساساً حركة العدل والمساواة, وبدرجة أقل فصائل من جيش تحرير السودان). وعلينا أن نكون متأكدين من أنه إذا كانت الخرطوم تملك مثل هذا الدليل, لما توانى هؤلاء الرجال الوحشيين عن تقديمه بشكل علني جداً, ودق الطبول حول تفاصيله في كل فرصة تسنح. بدلاً عن ذلك فإن كل الذي يأتي منهم هو تأكيدات حامية عن مواصلة جوبا لدعمها المعتبر للمتمردين في الشمال – في تكرار لا ينتهي, وبفضل هذا التكرار تأخذ هذه المزاعم مصداقيتها لدى الدبلوماسيين الذين يلائمهم هذا الأمر, ثم منهم إلى أولئك الذين ينشرون تقاريرهم.
في الآونة الأخيرة عندما صارت القوات المسلحة السودانية تعاني من هزائم عسكرية متكررة في كل من جنوب كردفان ودارفور, كانت هناك زيادة واضحة في تواتر وحدة المزاعم عن امتلاك أدلة حول دعم جوبا العسكري للمتمردين. وتملأ مثل هذه المزاعم الآن المركز السوداني للإعلام, وصحيفة سودان فيشن التي تصدر عنه, وكثير من تصريحات الشخصيات الرفيعة في النظام. من ذلك أن صحيفة سودان تربيون كتبت تقريراً في 6/6/2013, قالت فيه إن مجلس وزراء الخرطوم قرر في جلسته في 6 يونيو أن يبدأ حملة دبلوماسية واسعة لإطلاع المجتمع الدولي على الدعم الذي يقدمه الجار جنوب السودان للمجموعات السودانية المتمردة”. ويبدو أن قناعة الخرطوم هي أن الترديد المستمر للمزاعم والاصرار عليها, يعفي من الحاجة لتقديم أدلة حقيقية.
حتى عندما كان هناك بعض العون من الجنوب لحركات التمرد في الشمال –لوجستي, طبي, أو توفير ملاذات في الحدود- فقد كان عوناً متواضعاً, جرى في الغالب مع إنتهاء نصوص إتفاق الترتيبات الأمنية في عام 2011, ولم يكن بالضرورة تحت سيطرة جوبا. صحيح أن الحركة, على طول خط الحدود غير المستقر بين ولايتي جنوب كردفان والوحدة, ظلت حركة لافتة للنظر, إلا أن الخرطوم هي التي فعلت كل ما تستطيع لمنع تخطيط الحدود وترسيمها, وتحويل هذه المنطقة المتفجرة إلى منطقة منزوعة السلاح في آخر الأمر (وهي المنطقة التي فرّ إليها عشرات الآلاف من اللاجئين من جبال النوبة هرباً من قصف الخرطوم الجوي المتواصل للخرطوم للاجئين). ولأن جوبا تعلم أن النظام احتفظ بقواته المسلحة في مناطق كان من المفترض أن تكون مناطق منزوعة السلاح, حسب إتفاقيات 27 سبتمبر 2012, بين الخرطوم وحكومة جنوب السودان, فقد ظل الجيش الشعبي لتحرير السودان في مواقعه بعدة أشكال (أنظر التقرير الأخير لمنظمة كفاية على الرابط: http://enoughproject.org/blogs/satellite-imagery-confirms-troops- ,(demilitarized-zone-sudans والذي يعرض صور للأقمار الصناعية للانتشار العسكري حالياً). وهو وضع شديد الخطورة.
ما هو الدليل على إمداد المجموعات المتمردة بالسلاح؟
قدمت منظمة مسح الأسلحة الصغيرة سجلاً شاملاً حول الأدلة المتوفرة, في سلسلة متصلة من التقارير صادرة عن أبحاثها الميدانية الخاصة. المثير للاهتمام هنا هو التقرير المطول والكاشف بصورة مذهلة للأوضاع في جنوب كردفان, أقوى مراكز الجيش الشعبي لتحرير السودان- شمال (حرب جديدة, أعداء قدامى: ديناميات النزاع في جنوب كردفان, إعداد كلوديو قراميزي وجيروم تيبيانا, مارس 2013). وتستحق نتيجة الملخص التنفيذي للتقرير اهتماماً خاصاً, لأنه لا وجود لمنظمة أخرى أو هيئة أخرى للتحريات تملك أياً من مصادر, أو شمول منظمة مسح الأسلحة الصغيرة:
“قبل فترة قصيرة من استقلال الجنوب وبعده مباشرة أرسل الجيش الشعبي لتحرير السودان, إلى جنوب كردفان, عدة آلاف من جنوده ذوي الأصول الشمالية, بكامل عتادهم, من أسلحة صغيرة, وثقيلة, ودبابات, ووفر بذلك للتمرد, مصدراً معتبراً للمقاتلين وللعتاد. أما في فترة ما
بعد الاستقلال, فلم تجد منظمة مسح الأسلحة الصغيرة دليلاً على إمدادات بالسلاح من حكومة جنوب السودان للحركة الشعبية – شمال, وذلك على الرغم من وجود أدلة على بعض الدعم اللوجستي والسياسي. (كل مواضع التركيز مضافة- اريك ريفز)
ويجدر بالذكر هنا أن إتفاقية السلام الشامل نصت على أن يكون يوم 9 اكتوبر 2011, هو التاريخ الأخير لإكمال تسريح الوحدات المشتركة المدمجة (رمزياً), وفصلت ذلك في بروتكول الترتيبات الأمنية, الذي يحدد مدة ثلاثة أشهر بعد إنتهاء الفترة الانتقالية (9 يوليو 2011) كموعد أخير لتسريح القوات. ويقدم قراميزي وتوبيانا, في شكل ملحق مكثف رقم (1), سرداً تاريخياً متكاملاً للطريقة التي أعاد بها مقاتلو النوبة من الجيش الشعبي لتحرير السودان تنظيم أنفسهم في الجيش الشعبي لتحرير السودان – شمال.
في مفارقة شديدة لما سبق, تأتي الأدلة على دعم الخرطوم لمجموعة المليشيات المارقة التي تحارب في الشمال, في أشكال عدة, وتعود إلى سنوات عديدة مضت, بما فيها استخدام النظام لجوزيف كوني وجيش الرب الجنوني المتوحش التابع له, كقوات وكيلة. إضافة إلى ذلك تكشف الأدلة التي وردت في تقرير صدر أخيراً لمنظمة مسح الأسلحة الصغيرة, بوضوح, أن الخرطوم تواصل هذا الدعم, خاصة في مطوق كافي كينجي المتنازع, الواقع في بحر الغزال (في الواقع تظهر كل الخرائط من عام 1956 وما قبله, بصورة ولضحة أن كافي كنجي هي جزء من بحر الغزال الحالية, وليس جنوب دارفور كما تزعم الخرطوم).
“يبدو أن كوني نجح في إعادة علاقاته مع القوات المسلحة السودانية: الداعمين القدامى من بدايات التسعينات وبداية الألفية الثانية. ففي تقريرها الأخير المعنون “مخفيون تحت الأنظار”, وثقت منظمة ’ريزولف‘ غير الحكومية, لحالات تواجد فيها جيش الرب في المطوق المسمى كافي كنجي, في 2011, 2012, وبدايات عام 2013. وكافي كنجي هي منطقة متنازعة بين السودانين. وأكدت مقابلات مستقلة مع محاربين سابقين في جيش الرب, أن مجموعة من جيش الرب مكونة من 25 شخصاً تتمركز في تلك المنطقة, في مكان قريب من معسكر للقوات المسلحة السودانية, وذلك حتى وقت قريب لا يتجاوز مارس 2013. وذكر مصدر يوغندي, لم يتأتى التأكد من شخصيته, أن وحدة كوماندو يوغندية دخلت إلى منطقة كافي كنجي في نهاية شهر مارس 2013, ووجدت معسكراً لجيش الرب أخلي حديثاً (متابعات جيش الرب, 17 يونيو 2013).
غير أن الدليل الأكثر جلاءاً كان عدداً من الرحلات الجوية, بطائرات غير مسجلة لدى الأمم المتحدة, شوهدت وهي تنقل إمدادات لديفيد ياو ياوو في منطقة جونقلي, وقد سجل واحدة من هذه المشاهدات مراقبون من بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان (يونميس). وكانت الطائرةو في تلك الحالة بيضاءو ذات جناح ثابت (من طراز انتينوف), لم تعلم بها أي من منظمات الأمم المتحدة أو المراقبين الجويين. وكما ذكر تقرير منظمة مسح الأسلحة الصغيرة, لم يكن هناك أي غموض في المسألة. وقد جاء في تقرير المنظمة استناداً على إفادات جُمعت من جيمس كوربين الهارب من مجموعة ياو ياو:
“يوثق هذا التقرير للذخائر والأسلحة المشاهدة في فبراير 2013, خلال رحلة توثيقية لبلدة البيبور في ولاية جونقلي, بجنوب السودان. وكانت الأسلحة في حوزة مجموعة بقيادة جيمس كوربين, الذي هجر -ومعه رجاله- مليشيا ياو ياو في 4 ديسمبر 2012. وبالنظر إلى مرور 3 أشهر فقط منذ أن فرت المجموعة, فمن المرجح أن تكون هناك أنواع مماثلة لهذه, وأعداد نسبية, ومصادر للسلاح والذخائر موجودة في أيادي مليشيا الياو ياو. ومما يستدعي الاهتمام أيضاً معلومات محددة ذكرتها مجموعة كوربين حول إسقاط جوي للأسلحة قامت به الخرطوم, ويُوصف هنا لأول مرة.
“ففي عدد من المقابلات التي أجريت في فبراير, زعم أعضاء فارين من المليشيا, يشملون قادة, أن المصدر الرئيسي لأسلحة وذخائر المجموعة هو عمليات إسقاط جوي للأسلحة نظمتها, في الفترة بين شهري اغسطس وديسمبر 2012, إدارة الأمن والمخابرات السودانية (بالإضافة إلى عملية أخرى جرت في يناير 2013 بعد فرار المجموعة). وذكرت المجموعة أيضاً أن طائرة بجناح ثابت نقلت الأسلحة في رحلات مباشرة من الخرطوم في كل واحد من ليالي الإسقاط الجوي. ووفقاً لإفادات القادة, ظل قادة المليشيا على الأرض في حالة اتصال مباشر مع الطائرة عبر هواتف تعمل بالأقمار الصناعية, وكانوا يحددون منطقة الإسقاط الجوي بخطوط من النيران قبل الإلقاء مباشرة” (الأسلحة المستعملة لدى مليشيا ديفيد ياو ياو, ولاية جونقلي, فبراير 2010, منظمة مسح الأسلحة الصغيرة).
وعلى الرغم من أن التوجه المتحفظ لمنظمة مسح الأسلحة الصغيرة –وهو توجه صحيح- في النتائج التي تستقيها من هذه الأدلة, إلا أنه لا يوجد سبب للشك في التقارير التي تقدمها هنا. لسبب أساسي هو أن التقرير المفصل حول الإسقاط الجوي يوضح جوانب كافة ما هو مطلوب للقيام بما هو في الواقع عملية جوية غاية في التعقيد. الأهم من ذلك, هو أن بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان, أصدرت تقريراً حول عملية إسقاط جوي شديدة الشبه بهذه, وأعطت بذلك مصداقية كبيرة لأقوال كوربين الذي قال إنه شهد عدة عمليات إسقاط جوي في 2012:
”أكدت منظمة الأمم المتحدة أن قواتها رصدت طائرة بيضاء وهي تسقط حزماً معبأة في منطقة قال جنوب السودان إن طائرة سودانية أمدت فيها متمردين بالاسلحة, وذلك قبل يوم من لقاء مخطط له بين رئيسي البلدين. وقال جنوب السودان إن طائرة انتينوف سودانية أسقطت أسلحة وذخائر للمليشيا التي يقودها ديفيد ياو ياو, والتي تقاتل الجيش الحكومي لجنوب السودان في ولاية جونقلي (22 سبتمبر [2012])”.
“شاهدت بعثة الأمم المتحدة بالسودان طائرة بيضاء بجناح ثابت تسقط حزماً معبأة” هذا ما قاله كويدر زروق المتحدث بإسم بعثة الأمم المتحدة في السودان اليوم عبر الهاتف من جوبا, عاصمة جنوب السودان ’ غير أن بعثة الأمم قالت إنها ليست في وضع يمكنها من تحديد محتويات الحزم ولا الجهة التي أسقطتها (بلومبيرج, 24 سبتمبر 2012).
وقد أجرت منظمة مسح الأسلحة الصغيرة عدداً من التحريات حول الأسلحة والذخائر التي تستعملها مجموعة المليشيات المارقة – ووثقتها جميعاً بصور فوتغرافية مفصلة, للأسلحة التي تم الاستيلاء عليها, مصحوبة بتحليلات ثاقبة عما تكشف عنه, على النحو التالي: عيار وطبيعة الأسلحة والذخائر؛ الأرقام المتسلسلة ورقم الشحنة (وأحياناً صور لمحاولات متعمدة لطمس الأرقام المتسلسلة بغرض إخفاء منشأها)؛ تسلسل الأرقام المتسلسلة؛ أختام الذخائر؛ بلدان المنشأ, وتواريخ لتصنيع الأسلحة والذخائر؛ تواتر الاستخدام في مختلف مسارح العمليات العسكرية في السودان الكبير؛ التواريخ والمواقع حيث تم ضبط الاسلحة والذخائر؛ ومقابلات كثيرة مع المقاتلين وغير المقاتلين على حد سواء, أجراها محققون مهرة وذوو دراية. ويمكن القول إنه, لا توجد منظمة دولية أخرى تقدم تحليلاً عن حركة الأسلحة والذخائر في السودان الكبير, يوازي حتى من بعيد ما تقوم به منظمة مسح الأسلحة الصغيرة.
بصورة مجملة, فإن النتيجة الأوسع التي لا يمكن ببساطة الجدال حولها, هي: أن نظام الخرطوم, مستفيداً من الأسلحة والذخائر المصنعة في الصين, وايران, وروسيا, وأوكرانيا, وبيلاروس, وشمال السودان- استخدم طائرات الشحن من طراز انتينوف التابعة له –عادة بطلاء أبيض لإخفاء أغراضها العسكرية- كوسيلة لإمداد أكثر مجموعات المليشيات المارقة زعزعة للاستقرار. (طلاء الطائرات العسكرية باللون الأبيض, في منطقة تتواجد فيها طائرات العون الإنساني, واستخدام اللون الأبيض لتحديد الهوية, يشكل انتهاكاً للقانون الإنساني الدولي, وقد لجأت الخرطوم لمثل هذه الممارسات طوال فترة النزاع في دارفور). وكشفت التحقيقات أن بعضاً من منظومات الأسلحة الموجودة في ترسانات المليشيات المارقة, من التي فحصتها منظمة مسح الأسلحة الصغيرة, هي أسلحة شديدة الفتك. كذلك, وعلى الرغم من أن لقب “أكثر المليشيات زعزعةللاستقرار” يذهب حالياً بصورة واضحة إلى قوات مليشبا ياو ياو في جونقلي, إلا أن الأمر لم يكن كذلك دائمأ.
تشمل المجموعات السابقة, وتحقيقات منظمة مسح الأسلحة الصغيرة:
- · “تمرد بيتر قاديت” (منظمة مسح الأسلحة الصغيرة, 3 يونيو 2011 )
- · “قابرائيل تانج قاتوتش شان (تانج – جني)” (منظمة مسح الأسلحة الصغيرة, يونيو 2011)؛
- · “تمرد جاتلواك قاي, ولاية الوحدة” (منظمة مسح الأسلحة الصغيرة, يوليو 2011)؛
- · “الاستيلاء على اسلحة وذخائر إضافية من قوات بيتر قاديت” (منظمة مسح الأسلحة الصغيرة, 13 يناير 2012)
- · جورج اطور (“الأسلحة التي تم الاستيلاء عليها من قوات بيتر اطور وجون دويت”) (منظمة مسح الأسلحة الصغيرة, ديسمبر 2012)- وهو تقرير ضافي ومكتمل.
ويميط عرض عام لأنشطة المتمردين, وانشقاقاتهم, وقياداتهم, والمخاطر المرتبطة بهم,- يميط اللثام, بصورة واضحة وموثوقة, عن وضع عسكري معقد ومثير للارتباك. فقد أصبح في مقدورنا استقاء معلومات كثيرة جداً, تمت غربلتها بوضوح ومعرفة خلفية واسعة, من عدد من المنشقين بما في ذلك أعضاء قياديين, وعدد من القادة.
وبالنظر إلى لغة بروتوكول الترتيبات الأمنية لإتفاق السلام الشامل, فيما يتعلق بـ”المجموعات المسلحة الأخرى”, فإن دعم الخرطوم لهذه الجماعات المارقة المنشقة يمثل انتهاكاً فاضحاً آخراً لإتفاقية السلام الشامل (أنظر إتفاقية السلام الشامل, الموقعة في نيفاشا، كينيا، 21 ديسمبر 2004، جزء 11، الملحق 1: وقف إطلاق النار الدائم والترتيبات الأمنية, طرائق التنفيذ والتذييلات). لذلك فإن أولئك الذين يحاولون إبرام إتفاقات جديدة مع الخرطوم يحسنون صنعاً إن هم أخذوا في اعتبارهم: كم هي عدد عناصر بروتكولات إتفاقية السلام الشامل, التي انتهكت, أو شُوهت, أو تم –ببساطة- تجاهلها. ذلك أن الحلول التي يقدمها الإتحاد الافريقي للقضايا التي تم تناولها في اتفاقية السلام الشامل ولكنها ظلت عالقة بسبب تعنت الخرطوم, تتيح المجال لإتفاق جديد – فيما تصفه صحيفة سودان تريبيون بأنه “مبادرة طازجة”، وقد لوحت الخرطوم بـ”قبولها للمقترحات المقدمة من قبل رئيس فريق الإتحاد الافريقي رفيع المستوى (AUHIP)، ثابو مبيكي”.
ولكن إذا كانت هذه المقترحات مختلفة عن تلك التي تم الإتفاق عليها في 27 سبتمبر الماضي، ما هو إذاً الهدف من أي اقتراح يتم الاتفاق عليه؟ ما الذي يحول دون التقدم في المستقبل بطلبات لمقترحات أكثر جدة؟ لقد صادق مجلس السلم والأمن للإتحاد الافريقي على اقتراح المفاوضين بشأن أبيي، غير أن الخرطوم لم تقبل بهذه المصادقة بعد. والاتحاد الافريقي بدوره لم يفعل شيئا في المقابل، تاركاً أبيي في وضع خطير للغاية, وقابل لإشعال حرب جديدة في أي لحظة. كما “جُمدت” كل الإتفاقات الأخرى بين جوبا والخرطوم، وفقا لتصريحات حديثة جداً, صدرت عن كبار المسؤولين في الجبهة الإسلامية القومية / حزب المؤتمر الوطني، بما في ذلك الرئيس البشير نفسه. والأهم هنا أن هذا التجميد يمتد ليشمل ترتيبات عبور النفط. لذلك فإنه إذا استمر الاتحاد الافريقي في إستسلامه لتعنت الخرطوم وسوء نيتها، فإنه سرعان ما سيصل الى النقطة التي سيكون فيها أي إتفاق تم التفاوض عليه تحت رعايتها, بلا معنى بالنسبة لجوبا. في الواقع، وكما يكشف عن ذلك الانفجار الأخير الذي وقع في منطقة دفرا لإنتاج النفط في ابيي, فقد نكون وصلنا بالفعل إلى تلك النقطة (انظر الجزء 2 أدناه).
ما هي أهمية دعم الخرطوم للميليشيات المتمردة ، ولماذا تزيد المراوغة الدولية بشأن هذه القضية من خطر الحرب
هناك نوعان من الأسباب المختلفة, ولكنها وثيقة الصلة ببعضها البعض, للنظر إلى قضية الدعم العسكري المستمر للميليشيات المتمردة التي تقاتل في جنوب السودان, باعتبارها تهديدا للسلام، لا سيما وأن نظام الخرطوم استخدم مزاعم دعم جوبا للمتمردين الشماليين عسكرياً, كمبرر لتهديداته الأخيرة بإغلاق الأنابيب التي تنقل النفط الخام من جنوب السودان إلى ميناء التصدير في بورتسودان. حتى مع إفتقار مزاعم النظام إلى أي دليل, علينا أن نسترجع هنا, مرة أخرى، الاستنتاج الأساسي لأكثر الجهود حجية حول هذه القضية، وهي الدراسة الاستقصائية لمنظمة مسح الأسلحة الصغيرة:
.” أما في فترة ما بعد الاستقلال, فلم تجد منظمة مسح الأسلحة الصغيرة دليلاً على إمدادات بالسلاح من حكومة جنوب السودان للحركة الشعبية – شمال, وذلك على الرغم من وجود أدلة على بعض الدعم اللوجستي والسياسي”
أولاً، تأمل الخرطوم من تسليحها لقوات مليشيا ياو ياو المكونة من المورلي بصفة أساسية, إلى خلق حالة من الفوضى والنزوح بين المدنيين., تؤدي إلى تفاقم التوترات العرقية, وربط جزء مقدر من قوات الجيش الشعبي بعيداً عن الحدود الشمالية الجنوبية.. كذلك تأمل الخرطوم, من خلال هذه العمليات, في تشويه وضع جوبا في أي مفاوضات مستقبلية تكون حقوق الإنسان فيها جزءاً من المعادلة. وإذا حكمنا من خلال التقارير الميدانية الكثيرة, والعدد المتزايد من التقارير الإخبارية، فإننا نجد أن قوات ياو ياو كانت فعالة, في هذه المسألة, بشكل لافت.
ذلك أن أداء قوات الجيش الشعبي لتحرير السودان, خلال تصديه لمجموعة ياو ياو, كان أداءاً ضعيفاً وسيئاً في كثير من الأحيان, أنخرط أثناءه في انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، بما في ذلك جرائم حرب. كذلك وفر الجيش الشعبي قدراً كبيراً من “الأسلحة والذخيرة، سواء بشكل منهجي, أوعلى أساس فردي، للمجتمعات المحلية في ولاية جونقلي” (“جاري، عدوي: العنف القبلي في ولاية جونقلي”, منظمة مسح الأسلحة الصغيرة، أكتوبر 2012). علاوة على ذلك، فإن قتل المدنيين دون تمييز, لأنهم مرتبطون مع ياو ياو بصورة غامضة, أو على أساس انتمائهم العرقي للمورلي- لهو أمر مستهجن ويستحق أشد الإدانة. ويجب تقديم المسؤولين عن هذه الانتهاكات للمحاسبة, على طول الخط حتى قمة التسلسل القيادي.
على وجه الخصوص، يجب منح حق الوصول الفوري لمنظمات العون الإنساني، مثل منظمة أطباء بلا حدود (MSF)، التي ذكرت مؤخراً أن:
“ما يقدر بنحو 120.000 شخصاً قد فروا من القتال الدائر في/ وحول المدن الرئيسية لمقاطعة بيبور في ولاية جونقلي بجنوب السودان, وأنهم يختبئون الآن في مستنقعات غير آمنة, موبوءة بالملاريا, من دون الحصول على المياه الصالحة للشرب، والغذاء، والرعاية الطبية. (هذا ما قالته اليوم المنظمة الإنسانية الطبية الدولية: أطباء بلا حدود منظمة (MSF). يجب على حكومة جنوب السودان أن تسمح بالمساعدة الإنسانية العاجلة إلى هذه المناطق, لمنع وفاة الآلاف من الأشخاص المشردين داخلياً.
“على مدى الشهر الماضي، فر كثير من النازحين, من أجل النجاة بحياتهم, إلى الأدغال والغابات, وذلك مع اشتداد حدة القتال بين جيش جنوب السودان (الجيش الشعبي) والمليشيا المسلحة التابعة لديفيد ياو ياو. وتزامن تصاعد القتال مع تدمير المرافق الطبية في كافة أنحاء المقاطعة، بما في ذلك النهب المنظم لمستشفى أطباء بلا حدود, في بلدة بيبور في أواخر مايو، ورفض الجيش الشعبي لتحرير السودان السماح أو تيسير تقديم المساعدات الإنسانية للسكان النازحين في هذه المناطق.
وقال د. بارت يانسون، مدير العمليات بمنظمة أطباء بلا حدود إنه “يجب اتخاذ إجراءات فورية لتجنب الكارثة… سيغطي الفيضان خلال موسم الأمطار مقاطعة بيبور, حيث يختبئ السكان.. ولن يكون ذلك مكاناً يمكن للناس فيه البقاء على قيد الحياة. في هذه اللحظة نحن غير قادرين على الاتصال بالناس الذين يختبئون في الأدغال، ونحن نعلم من خبرات منظمة أطباء بلا حدود الطويلة في ولاية جونقلي, أنه دون رعاية طبية، سوف ترتفع معدلات الوفيات بسرعة, وسيموت الناس من الملاريا، والإسهال، والالتهاب الرئوي، وغيرها من أمراض الجهاز التنفسي. علاوة على ذلك، سوف تنفذ المواد الغذائية للمجتمعات المحلية هذا الشهر قبل مدة من وصول الحصاد القادم”.
وقالت منظمة أطباء بلا حدود إن “السكان المشردون فروا من المدن الرئيسية في مقاطعة بيبور على الأرجح خوفاً من الخلط بينهم وبين مجموعات المتمردين, أو الوقوع في مرمى النيران المتبادلة. إن عدم التمييز الحقيقي أو المتصور, بين المدنيين من مجتمع المورلي والمقاتلين, سوف لن يؤدي إلا إلى زيادة مخاطر المرض والموت, للسكان الذين يعيشون مع العنف، والتشريد، والخوف. وقد عُزل كل المجتمع المحلي تقريباً من أي مساعدة إنسانية”. (أطباء بل حدود، جوبا، 14 يونيو 2013).
غير أن الانتهاكات الخطيرة التي ارتكبها الجيش الشعبي ينبغي ألا تحجب أبسط الحقائق المتعلقة بأسباب هذه الأزمة المتفاقمة: فهذه التطورات هي خطوات متعمدة من جانب الخرطوم، التي تعتقد أنها يمكن أن تسلب الجنوب الأسهم المعنوية والسياسية المرتبطة بالعدالة والانصاف, التي يأتي بها معه الى المفاوضات مع النظام, إن هي تمكنت من تحويل الصراع في جونقلي إلى صراع مستعص, يضع الأعراق الكثيرة المختلفة في المنطقة على خط خلاف متزايد: النوير لو، المورلي, الدينكا بور، التوبوسا، الانواك، وغيرها. وتأمل الخرطوم أن يفقد الجنوب موقعه الدبلوماسي وسط مستنقع لنزع السلاح -ضروري ولكنه غاية في الصعوبة- من المدنيين والمقاتلين في ولاية جونقلي. في المقابل، إذا أصبحت جونقلي ومناطق أخرى تعج بالفوضى على نحو متصاعد، فسوف تتزايد الاحتمالات بأن يدفع المجتمع الدولي جوبا, بقوة أكبر “للتسوية”، والتي لن تكون في النهاية شيئاً أخراً سوى مزيد من التنازلات من قبل الجنوب.
ثانيا، طالما ظلت ولاية جونقلي منطقة غير آمنة كما هي حالياً، فإن امتيازات النفط الكبيرة التي تقع إلى الجنوب من مناطق امتياز بلوك 5 الشمالي (A و B) لا يمكن تطويرها. ويمتد بلوك 5 الأوسط, ذو المساحة الشاسعة من الحدود الإثيوبة حتى واو تقريباً, وحتى جوبا إلى الجنوب. وهناك أسباب وجيهة للاعتقاد بأن منطقة الامتياز الضخمة هذه تمتلك احتياطيات نفطية كبيرة جداً، ولكن لا يمكن تحويلها إلى سيولة نقدية في الوقت الحالي- وهو بالضبط ما ترغب فيه الخرطوم. وبالتأكيد سيكون من الصعب أن نتصور كيف يمكن أن يبدأ العمل في بناء خط أنابيب يتجه جنوباً في ظل الظروف الأمنية الراهنة. ففي أوائل شهر يونيو من هذا العام وقعت جوبا إتفاقاً مع تويوتا اليابانية لبناء خط أنابيب إلى ميناء لامو على الساحل الكيني، ولكن حتى مع مستويات مقبولة من الأمن للعمالة الوافدة، فمن غير المرجح إكمال الخط المذكور في أقل من أربع إلى خمس سنوات, بعد بدء العمل فيه بشكل جدي. (يمكن لجوبا أن تحول احتياطيها النفطي -الذي تأكد أنه كبير وواعد- إلى سيولة نقدية, بشكل عاجل، ولكن بخصومات كبيرة).
لماذا لم تؤخذ نتائج الدراسة الاستقصائية لمنظمة مسح الأسلحة الصغيرة على محمل الجد؟
هناك أشارات كثيرة على أن المقارنات الدولية التي تساوي بين جوبا والخرطوم بشأن إمداد حركات التمرد في الشمال والجنوب بالأسلحة, هي في الأساس مناورات نفعية، وليس أحكاماً تستند على أدلة. إذ إن هناك رفض لا يمكن تفسيره, للإقرار بالنتائج الحاسمة للدراسات الاستقصائية العديدة التي أجرتها منظمة مسح الأسلحة الصغيرة العديدة، و(مرة أخرى) لاستنتاجها الأكثر أهمية:
.” أما في فترة ما بعد الاستقلال, فلم تجد منظمة مسح الأسلحة الصغيرة دليلاً على إمدادات بالسلاح من حكومة جنوب السودان للحركة الشعبية – شمال, وذلك على الرغم من وجود أدلة على بعض الدعم اللوجستي والسياسي”
هل تصدق إدارة اوباما هذا الكلام – أم لا؟ إذا لم تكن تصدقه، فلماذا لم تصدقه؟ ما هي الأدلة المضادة التي تملكها الإدارة؟ هل لديها أي أساس للشك في الأدلة التي تم جمعها بشق الأنفس, أوفي الأبحاث المفصلة بدقة لمنظمة مسح الأسلحة الصغيرة؟ وإذا كانت الإدارة تقبل بالنتائج التي توصلت إليها منظمة مسح الأسلحة الصغيرة ، فلماذا الاستمرار في المراوغة, والتلميح في كل إعلان رسمي, أنها تعتقد أن جوبا فعلاً تمد قواتالمتمردين داخل السودان بالأسلحة؟
المتكررة الأخيرة التي شنتها القوات المسلحة السودانية للخرطوم, على قرية خور أبشي بجنوب دارفور، وعلى قوات من جيش تحرير السودان, فصيل ميني ميناوي (الذي كان شريكا في النظام في السابق). ويعرب البيان عن استيائه العميق من الهجمات التي خلفت “العديد من الجرحى، وبعض القتلى، وآلاف المشردين”. واستطرد المتحدث باسم مجلس الأمن القومي مايك هامر ليقول:
“يأتي هذا الهجوم أيضاً في وقت نشهد فيه أدلة متزايدة على دعم كل من حكومتي السودان وجنوب السودان للمحاربين بالوكالة [في كل من البلدين – المترجم]. إن حماية السكان المدنيين هي مسئولية جميع القادة السودانيين – وأي شئ بخلاف ذلك غير مقبول.
وكررت وزارة الخارجية, في نوفمبر 2012، هذه الزعم مرة أخرى, في صورة ’إمتناع – عن, فقالت: ‘”إن إنشاء منطقة آمنة منزوعة السلاح على الحدود بين البلدين أمر حيوي يضمن أن يفي كل من البلدين بالتزاماتهما المتعلقة بوقف الدعم عن المحاربين بالوكالة, والأهم من ذلك، تجنب ‘النزاع بين الدولتين “(وكالة فرانس برس [الخرطوم]، 21 نوفمبر 2012). بعد يومين من ذلك التاريخ قصفت القوات المسلحة السودانية المناطق المدنية حول منطقة سماحة على الحدود بين جنوب دارفور وشمال بحر الغزال؛ وكما انطبق على مئات (فعلية لا مجازية) من الحالات السابقة, لم تكن هناك أي إدانة للهجوم. إذ لم تكن تؤخذ في الاعتبار إلا الهجمات المبلغ عنها بالكامل, وحتى في مثل تلك الحالات, تُربط الفظائع الرهيبة بقضايا أخرى, وتأتي الإدانة غير رسمية وتقتصر على مجرد بلاغيات كلامية. لقد أصبحت المساواة بين جوبا والخرطوم في الدعم المقدم للتمرد عاملاً رئيسياً في تشجيع الخرطوم على مواصلة حملتها الجوية الوحشية، طالما أصبحت إدانات القصف الجوي تأتي في سياق التعبير عن القلق بشأن دعم الجماعات المتمردة في الشمال والجنوب, على حد سواء.
ويشكل قصف المدنيين والعاملين في المنظمات الإنسانية -وهي ممارسات وثقتُ تفاصيلها منذ فترة تعود إلى عام 1999- جرائم حرب؛ بل تشكل هذه الممارسات في مجموعها جرائم ضد الإنسانية (انظر “‘قصفوا كل شيء يتحرك: الهجمات الجوية على المدنيين والعاملين الإنسانيين في السودان، 1999 – 2012، صفحات 19-20؛. www.sudanbombing.org). كل واحدة من هذه الأمثلة البربرية -سواء كانت في جنوب السودان, أوجبال النوبة, أوالنيل الأزرق، أو دارفور، تجب إدانتها علناً وبشدة. وينبغي ألا تكون هذه الإدانة جزءاً من تسوية أو مفاضلة مع قضايا أخرى، أو “موازنة” للانتقادات، أو عمليات محسوبة دبلوماسياً: ينبغي أن تكون بيانات, مباشرة, لا لبس فيها، وتركز بشكل محدد على الآثار المترتبة على مثل هذه الهجمات الجوية, وعواقب استمرارها.
إذا كان هناك من يشك في وقائع التدمير الهائل الذي يحدثه استمرار القصف الجوي على السكان المدنيين في جنوب كردفان والنيل الأزرق، فإن التقرير الذي صدر مؤخراً عن منظمة العفو الدولية, من المفترض أن يزيل أي شكوك:
“،قالت منظمة العفو الدولية في تقرير أصدرته اليوم إن صوراً التقطتها الاقمار الصناعية, وإفادات شهود عيان من المناطق التي يسيطر عليها المتمردون في النيل الأزرق, تُظهر أن القوات المسلحة السودانية لجأت إلى السياسات الوحشية المعروفة بتكتيك الأرض المحروقة, وذلك بهدف طرد السكان المدنيين, وإجبارهم على مغادرة مواقعهم.”لم يكن لدينا أي وقت لدفنهم”: ويوثق فيلم جرائم الحرب في ولاية النيل الأزرق, للكيفية التي بها دمر القصف الجوي والهجمات البرية التي تقوم بها القوات المسلحة السودانية قرى بأكملها، وخلفت العديد من القتلى والجرحى، وأجبرت عشرات الآلاف على الفرار-حيث يواجه كثيرون منهم المجاعة, والمرض والإرهاق”. (“السودان: أدلة جديدة على تكتيكات الأرض المحروقة ضد المدنيين في النيل الأزرق،” 11 يونيو 2013؛ http://www.amnesty.org/en/news/sudan-new-evidence-scorched-earth-tactics-against-civilians-blue-nile-2013-06-10 )