السيد نافع إلى واشنطن
اريك ريفز, 2 مايو 2013
Arabic translation: “Mr. Nafie Goes to Washington,” al-Hurriyat (Kampala) May 6, 2013
by Eric Reeves
تفجرت موجات من الغضب المفهوم إثر قرار إدارة اوباما دعوة نافع علي نافع, مساعد أول رئيس نظام الخرطوم عمر البشير, إلى واشنطن. بالطبع ليس من الممكن دعوة البشير نفسه إلى واشنطن, لأنه متهم لدى المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية في دارفور, وجميعها جرائم تورط فيها نافع بشدة ويتحمل فيها مسئولية رئيسية. ولكن نافع سيكون خير من يمثل البشير وآخرين من الجبهة الإسلامية القومية /حزب المؤتمر الوطني وأفضل من يُسمع صوتهم في واشنطن. في الواقع, وكما هو الحال مع منتمين آخرين للنظام سبق وأدانتهم محكمة الجنايات الدولية -مثل وزير الداخلية السابق والدفاع الحالي عبد الرحيم محمد حسين- فإن مستقبل نافع سيكون في لاهاي إذا تحققت العدالة. ذلك أن دوره المحوري في تدبير الإبادة في دارفور معروف للكل, بل وأقر به نافع نفسه.
ولكن هناك أسباب أخرى تجعل قرار إدارة اوباما دعوة نافع أمراً غير مفهوم. ذلك أن اجتماعات مثل هذه وفي واشنطن هي في الواقع مكافأة لا مثيل لها لنظام مدان بسلسلة من عمليات الإبادة: بدءاً من جبال النوبة في التسعينات, ثم في المنطقة الغنية بالنفط على طول الحدود بين شمال وجنوب السودان من 1998 وحتى 2002, ثم في دارفور حيث اندلع بصورة واسعة نزاع دموي ذي طابع إثني في 2003, ولا زال مستمراً حتى هذه اللحظة. لذلك لا بد لنا أن نتعجب أيضاً مع عضو الكونجرس فرانك وولف, الذي قال في رسالة إلى الرئيس باراك اوباما إنه لا يعارض المساعي الدبلوماسية, ولكن مثل هذه المفاوضات يمكن أن تجري في أماكن أخرى مثل سفارة الولايات المتحدة في الخرطوم.
كتب وولف: “في ظل تدهور الأوضاع في دارفور, واستمرار الهجمات العشوائية ضد المدنيين في جبال النوبة, والتي أدت إلى نزوح الآلاف, لماذا تكافئ إدارتك الخرطوم بدعوتها إلى واشنطن؟” (وكالة الأنباء الفرنسية, واشنطن, الأول من مايو 2013).
في الواقع تمثل دعوة نافع ربما القرار الأكثر فظاعة الذي يمكن أن يتخذه مسئولون أمريكيون. فمن بين أمور أخرى, تعطي هذه الدعوة نافع قدم سبق في مواجهة النائب الأول علي عثمان محمد طه في خلافة البشير الذي يعاني بشدة من سرطان الحلق. وقد اوردت مؤخراً مجلة افريكا كونفيدنشيل (عدد 9, 26 ابريل 2013) استعراضا ممتازاً لديناميات هذه المنافسة, وهو أمر كان من المفترض أن تأخذه إدارة اوباما في الاعتبار عند اختيار من تتحاور معه. إضافة إلى ذلك, وفي حين أن نافع قد يكون مسموعاً لدى البشير, إلا أن أفعاله وسلوكياته تجعلنا نتعجب مرة أخرى حول الأسباب التي تقف خلف عملية الدعوة.
ونافع هو من كان يدير جهاز الأمن الوحشي للخرطوم, على سبيل المثال, عندما دبرت الخرطوم محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك في اديس ابابا (1995)؛ وقد كشفت العديد من التحريات الدور الواضح لنافع في هذه العملية, وكان المصريون قد أصروا على إبعاده من منصبه, وهو ما حدث, على الرغم من أن تلك المسألة لم تتعدى أن تكون عثرة قصيرة في إطار صعوده المتواصل ضمن النظام. وقد أشرف نافع أبان توليه لجهاز الأمن على اعتقالات لا حصر لها, وإعدامات خارج نطاق القضاء.. وعمليات تعذيب. ووصف بعض شهود العيان سلوكه أثناء جلسات التعذيب بأنه عادة ما يكون هادئاً بصورة أقرب إلى القصص السريالية منها إلى تصرفات البشر العاديين. –هذا ما أوردته صحيفة لوس انجلوس تايمز في لقاء أجرته مع نافع في الخرطوم نوقشت فيه واقعة تعذيب (اكتوبر 2008).
وقال فاروق محمد ابراهيم, وهو أستاذ سابق للعلوم الطبيعية بجامعة الخرطوم وناقد للحكومة أعتقل عام 1989, لمدة 12 يوما في أحد ’بيوت الأشباح‘ السودانية سيئة السمعة – قال:”[نافع] هو الذي استجوبني وقد عذبوني وتم ضربي وجلدي في وجوده”, وأضاف فاروق محمد ابراهيم “أشرف [نافع] على كل الموضوع. وفعل كل ذلك في هدوء شديد كما لو أنه كان يحتسي قهوته الصباحية”. وكما ظل معروفاً عن شخصيته لم يبدي نافع أي ندم على ما فعل, وكل ما قاله عندما ووجه بهذه الوقائع هو إن نشطاء المعارضة كانوا يدبرون انقلاباً مضادأ وحروباً أهلية. “كنا نعمل على حماية أنفسنا” قالها وهو يهز كتفه. “من المؤكد أننا لم نأتي لنلعب معهم الورق”. (Los Angeles Times [Khartoum], October 26, 2008).
وفي إطار أكثر إتساقاً. وإن لم يقل وحشية, رسم نافع -أكثر من أي شخص آخر من القادة الكبار للجبهة الإسلامية القومية / المؤتمر الوطني – مسار الإبادة الجماعية المتواصلة في دارفور بعد مقتل مجذوب الخليفة في يونيو 2007. وكان الخليفة قد مثل الخرطوم بفعالية في مفاوضات ابوجا التي أفضت إلى الإتفاق المضلل والمدمر لسلام دارفور (2006). (تجب الإشارة في ذات الوقت إلى أن عدداً من كبار قادة الأمن والقوات المسلحة المنتسبين للنظام أصبحوا, في السنتين الأخيرتين, يتمتعون بنفوذ كبير, خاصة فيما يتعلق بقرارات الحرب والسلام(.ويأتي كل هذا على خلفية الانقسام العميق للنظام بين نافع وطه.
باختصار تقدم إدارة اوباما بهذه الدعوة مكافأة استثنائية لنظام لا يتعطش لشئ مثل تعطشه للشرعية, ولرجل في غاية الوحشية والقسوة –لن يتورع عن أن يستغل هذه الزيارة ليؤكد أنه خليفة البشير. وبالنسبة للخرطوم فإن هدفها الدبلوماسي الرئيسي, على وجه الخصوص في علاقاتها الثنائية مع واشنطن, هو شطب أسمها من قائمة الخارجية للدول الراعية للإرهاب. وربما تنتظر نافع هدية أخرى. ولكن دعونا نكون واضحين حول الشخص الذي احتفل مقدماً باختياره ليقوم بمثل هذه الزيارة الرفيعة لواشنطن. وكان لاري ادري “المسئول الأول في قسم السودان بوزارة الخارجية يمارس –ببساطة- الخداع عندما قال إنهم “لا يعتبرون هذه الزيارة مكافأة, ولكن مواصلة لحوار حول قضايا تهم حكومة الولايات المتحدة” (وكالة الأنباء الفرنسية, واشنطن العاصمة, الأول من مايو 2013), وإن هذا “الحوار” يجب أن “يستمر”. لكن لماذا في واشنطن أيها السيد أدري؟ وكيف لا يكون “مكافأة” إذا كان نظام الخرطوم يرغب فيه بهذه الشدة؟
من المؤكد أن جزءاً من المقابل للزيارة -ولن نعرف إلا جزءاً يسيراً من هذا المقابل- سيكون مطالبة الخرطوم بالتفاوض مع الحركة/ الجيش الشعبي لتحرير السودان (قطاع الشمال), وهي حركة الثوار التي تحارب استبداد الخرطوم في جبال النوبة والنيل الأزرق. وكانت قد بدأت بينهما مفاوضات قبل عدة أيام, فقط لتنهار سريعاً لسوء نوايا الخرطوم؛ على الرغم من ذلك تظل زيارة نافع قائمة.
كذلك تظل منطقة ابيي بؤرة بلا حل لتجدد النزاع, وهي قضية كنا نتوقع فيها تعاوناً أكبر من قبل النظام (قبول المقترح الذي تبناه الإتحاد الافريقي كاملاً قد يكون بداية جيدة), ولكن ظلت الأمور هناك كما هي, ومن الممكن تفجر قتال كبير بين جنوب السودان والخرطوم بكل سهولة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن نافع هو من أعلن نيابة عن النظام أن استفتاء ابيي لتقرير المصير لن يجرى في 9/1/2011, كما تحدد له في إتفاقية السلام الشامل لعام 2005. وقد قادت التوترات اللاحقة وعنف المليشيات العربية إلى احتلال الخرطوم لابيي في مايو 2011, ثم لاحقاً لاعتداءات النظام على جنوب كردفان (يونيو 2011), والنيل الأزرق (سبتمبر 2011). ولا زال القتال متواصلاً وأعداد النازحين مهولة. ويواحه مئات الالاف من الناس خطر المجاعة في المنطقتين, مع ذلك ظل نافع وزملاؤه مصرين, وعلى مدى عامين, على عرقلة وصول كل العون الإنساني الدولي إلى المدنيين في المناطق التي يسيطر عليها الثوار.
كذلك قد نرغب, أثناء زيارة نافع لواشنطن, في إلقاء الضوء على سجله في في العداء للسامية والتي تتخذ في العادة صورة العداء للصهيونية والتحريض ضد “اللوبي اليهودي” في الولايات المتحدة. وهذه الأخيرة من المؤكد أنها معروفة لإدارة اوباما. في الواقع تحدث البرتو فرنانديز, في 3/3/2009 بصراحة عن نافع في أحد الكيبلات المسربة لـ”ويكيليكس”:
جاء في الكيبل “اتهم نافع علي نافع مساعد أول رئيس الجهورية والأمين العام المتشدد لأمانة الشئون السياسية بالمؤتمر الوطني, والذي يتولى أيضاً ملف دارفور في الحكومة السودانية, اتهم عبد الواحد محمد نور [رئيس حركة تحرير السودان, عبد الواحد], بزرع سودانيين في اسرائيل لتحويلهم إلى اليهودية بغرض تطبيع العلاقات بين اسرائيل والسودان. وقال نافع إن “فتح [الحركة] لمكتبها في اسرائيل دليل مادي على تلاعب الأجانب واللوبي الصهيوني بالنزاع في دارفور” (US embassy cable – 08KHARTOUM340, at Wikileaks.org)
ولنافع –بالطبع- اصحاب عديدون داخل النظام؛ حيث يقدم كيبل آخر تقريراً موحياً لوجهات نظر وزير الدفاع عبد الرحيم محمد حسين:
“نشرت جريدة الرأي العام التي تصدر باللغة العربية مقابلة مع وزير الدفاع السوداني عبد الرحيم محمد حسين ذكر فيه أن 24 منظمة يهودية تحرض على الصراع في دارفور. وقال حسين في المقابلة التي أعيد نشرها من مقابلة سابقة أجرتها صحيفة عكاظ السعودية واسعة النفوذ إن “مجموعات الهولكست” اخترقت القبائل في دارفور, وقامت بحملات دعائية, واستخدمت سلطاتها ونفوذها للتأثير على متخذي القرار (July 29, 2007, “wikileaked” cable from U.S. embassy in Khartoum, UNCLAS KHARTOUM 001174, at Wikileaks.org)
غير أن نافع يكون أكثر إفصاحاً عندما يتحدث عن نفسه وعن نظامه:
“لقد ظللنا نراقب حركات قوى الشر والعدوان ممثلة في الامبريالية الامريكية, والصهيونية العالمية, والاستعمار الجديد, الذين يحاولون القضاء على ثقافات الناس, ونهب ثرواتهم, وإخضاع إرادتهم (سودان تربيون, 3/3/2012).
“أيضاً اتهم نافع اسرائيل بترحيل اللاجئين الدارفوريين إلى معسكرات التدريب العسكري في جنوب السودان قبل إرسالهم لشن الحرب ضد قوات الحكومة في دارفور. “تريد الدوائر اليهودية والغربية أن تجعل من دارفور خنجراً في خاصرة هذا البلد لتعرقل مسيرته نحو النهضة والتقدم” يقول نافع. (سودان تربيون 2/5/2012).
ونقل المركز السوداني للإعلام المرتبط بالحكومة عن مساعد الرئيس نافع قوله: “تريد المؤسسات الصهيونية داخل الولايات المتحدة وغيرها..استغلال القرارات الاقتصادية الأخيرة لزعزعة الأوضاع الأمنية والسياسية”. وقال نافع إن الحكومة تملك أدلة على تواطؤ بين الحركات المتمردة في دارفور, وسياسيين في دولة جنوب السودان المعادية, والمؤسسات الصهيونية في الولايات المتحدة لتدمير السودان. ولم يقدم نافع الدليل الذي تحدث عنه (رويترز, الخرطوم 1/7/2012).
وأوردت سودان تربيون في 4/6/2012 تقريراً جاء فيه أن “مساعد الرئيس نافع علي نافع استبعد التوصل إلى إتفاق سلام مع حركة العدل والمساواة وحركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد نور, وقال “إنهم يريدون أن تستمر قضية دارفور بلا حل ليستخدمونها كوسيلة للعمل السياسي من قبل تحالف المعارضة واللوبي الصهيوني لتغيير النظام (سودان تربيون 4/6/2011).
“قال نافع علي نافع مساعد الرئيس السوداني يوم السبت إن بلاده في حالة تجميع الأدلة التي تبرهن على تورط قوى خارجية تشمل مجموعات صهيونية ودولة جنوب السوودان المجاورة, في محاولات جرت مؤخراً لاستغلال قرارات التقشقف الأخيرة لخلق حالة من عدم الاستقرار الداخلي (سودان تربيون 30/6/2012).
“كذلك انتقد نافع الحكومة الفرنسية ورفض اقتراحها بحل الخلاف القائم مع المحكمة الجنائية الدولية. وقال إن الدور الفرنسي في دعم التهم الموجهة إلى البشير هو نتيجة للنفوذ الصهيوني المتزايد في فرنسا. وأضاف نافع ‘لا أرى أي طعم أو رائحة أو نفع من ما يسمى المبادرة الفرنسية،’ “(سودان تريبيون [باريس]، 17 أغسطس 2008).
“وأشار د. نافع إلى أن الحكومة بذلت كل الجهود ليسير الانفصال بصورة سلمية، ولكن الحركة الشعبية واللوبي الصهيوني يعملان معا لعرقلة ذلك. “(وكالة الأنباء السودانية [سونا]، 20 أغسطس 2011)
وبالطبع هناك أمثلة أخرى كثيرة بنفس الفحوى.
مما سبق يتضح أنه ليست هناك إجابة مرضية للسؤال حول لماذا دعت إدارة أوباما نافع لزيارة واشنطن، ولماذا في الوقت الحالي بالذات. على أقل تقدير كان ينبغي على إدارة أوباما أن تضمن مسبقا من الخرطوم التزاماً صريحاً ومفصلاً بللسماح بإنشاء ممرات إنسانية في جبال النوبة بجنوب كردفان, والنيل الأزرق، مع عواقب واضحة ووخيمة على أي محاولة للتراجع عن مثل هذا الإلتزام. ومن المؤكد أن النزوح الجماعي والمعاناة الهائلة سوف تستمر حتى يتم تأمين هذه الممرات. بدلا من ذلك، ومن دون تأمين أي تنازلات مرئية وذات قيمة، دعت الولايات المتحدة للتفاوض واحداً من مرتكبي جريمة الإبادة الجماعية وأحد أشد المعادين للسامية وممن لهم علاقة بالإرهاب العالمي (شخصاً لم يلعب فقط دوراً مركزياً في محاولة اغتيال مبارك –وهو عمل إرهابي- ولكنه احتضن أيضاً اسامة بن لادن خلال السنوات التي قضاها في الخرطوم، يعد لتكوين تنظيم القاعدة).
لا شك أن الذين راودتهم الآمال بأن تتجاوز الولايات المتحدة السياسات الخاطئة القائمة على الاسترضاء, والتي روج لها وطورها المبعوثان السابقان الخاصان للرئيس لأوباما للسودان سكوت غريشن وبرنستون ليمان- لا شك أنهم سيصابون بالاحباط الشديد من هذه الدعوة.