من اين تحصل الحركة الشعبية – قطاع الشمال.. على أسلحتها؟
Where Does the Sudan People’s Liberation Army-North Get its Weapons?
Eric Reeves
September 23, 2012
من اين تحصل الحركة الشعبية – قطاع الشمال.. على أسلحتها؟
اريك ريفز
23 سبتمبر 2012
ظللنا نسمع لعدة شهور الآن إتهامات من إدارة اوباما, والأمم المتحدة, والاتحاد الافريقي وفاعلين دوليين آخرين بأن هناك, على نحو ما, تساو في المسئولية بين جوبا والخرطوم في تسليح “الوكلاء” العسكريين: توفر الخرطوم السلاح, والامدادات والملاذ الآمن للميليشيات الوحشية المتمردة في الجنوب؛ بينما توفر جوبا (كما يقولون) معونات كبيرة للحركة الشعبية لتحرير السودان – قطاع الشمال, وعلى وجه الخصوص لقوات عبد العزيز الحلو في منطقة جبال النوبة. ما ظل يلفت النظر منذ مدة طويلة حول هذه الصيغة من “المساواة الأخلاقية” هو عدم التكافوء المثير في الأدلة المتوفرة. على وجه التحديد لم توفر الخرطوم, التي ظلت تدعي بصورة متواصلة مساعدة جوبا لقطاع الشمال – لم توفر حتى اللحظة دليلاً من أي نوع.
لقد قدمت منظمة مسوحات الأسلحة الصغيرة العديد من التحليلات الموثوقة والمفصلة لأسلحة تم الاستيلاء عليها من مجموعات المليشيات الجنوبية المدعومة من الخرطوم, وهي توضح بصورة لا يتطرق إليها الشك دعم النظام المقدر جداً لرجال مثل ديفيد ياو ياو , وجونسون اولوني, وجبرائيل تانجينيا (“تانق”), وقبل ذلك جورج اتور (الذي مات), وبيتر قاديت (الذي غير ولاءه مرة أخرى). في المقابل يكاد لا يوجد دليل – سواء من مسوحات الأسلحة الصغيرة أو أي جهة أخرى – على مساعدة جوبا للحركة الشعبية – قطاع الشمال.
ليس هناك شك من أن كميات من االطعام والوقود قد وجدت طريقها من الجنوب إلى جبال النوبة, وربما أيضاً كميات قليلة من المعدات العسكرية, على الرغم من عدم وجود دليل مادي على انتقال السلاح. وليس هناك شك أيضاً حول الإحساس العميق في الجنوب بالتضامن مع القضية المشتركة لشعبي جنوب كردفان والنيل الأزرق. في الواقع يتألف الجيش الشعبي لتحرير السودان قطاع الشمال في غالبيته من رجال قاتلوا في الحرب الأهلية جنباً إلى جنب مع الجنوب. وذلك على الرغم من أن حرب الإبادة التي تشنها الخرطوم كان من آثارها أن دفعت رجالا جدد كثيرين إلى حمل السلاح ممن قُتلت أسرهم, أو دُمرت أراضيهم بفعل القصف الجوي, أو من الذين أصبح عليهم أن يتحملوا الآثار العقابية لمجاعة أصبحت على الأبواب.
ولكن ببساطة لن يكون هناك مجال لمقارنة الدعم الذي تقدمه الخرطوم لوكلائها العسكريين في جنوب السودان مع ذلك الذي توفره جوبا للنوبة, خاصة وأن الجيش الشعبي – قطاع الشمال قد احتفظ بقدر كبير من الأسلحة منذ الوقت الذي كان فيه جزءاً من الجيش الشعبي الموحد (انفصلا رسمياً قبل سنة). هذا ويعود دعم الخرطوم للوكلاء العسكريين في الجنوب إلى بدايات التسعينات, وتواصل بصورة مدمرة أثناء “حرب النفط” (حوالى 1998 – 2002). وقد انداحت سياسة النظام لتشمل تقديم الدعم لمليشيات جيش الرب بممارساتها الوحشية البشعة بقيادة جوزيف كوني. وكما أشار تقرير للمجموعة الدولية للأزمات صدر في 2006:
“أعترفت الخرطوم الآن أنها قدمت الملاذ الآمن والدعم اللوجستي لجيش الرب كجزء من استراتيجية الزعزعة وحملات الأرض المحروقة ضد المدنيين السودانيين” (“استراتيجية لإنهاء الأزمة اليوغندية”, مجموعة الأزمات الدولية, 11 يناير 2006, ص 4)
غير أن أولئك الذين يسعون للمساواة بين الدعم الذي يُقدم لـ”الوكلاء” من كل من جوبا والخرطوم يتجنبون بكل ارتياح أي إشارة لما توصلت إليه مجموعة الأزمات الدولية.
لذلك فإن آخر تقرير صدر عن مسوحات الأسلحة الصغيرة يوفر بحثاً جاء في وقته تماماً, ليس فقط حول ما يدفع إلى تصاعد العنف – وتصاعد إخفائه – في دارفور, ولكن ايضاً حول الطريقة التي يصل بها السلاح الى المجموعات المتمردة المختلفة في (شمال) السودان. ما يستحق اهتماماً خاصاً هنا هي نتائج البحث حول سلاح عبد العزيز الحلو للحركة الشعبية – قطاع الشمال:
“إن الدليل المذكور في هذا الموجز الإعلامي يشير إلى أن مصادر السودان الرئيسية للسلاح, بما في ذلك روسيا الاتحادية وبيلاروس والصين واصلت إمداد القوات المسلحة السودانية بالسلاح على الرغم من إطراد الأدلة على أن القوات المسلحة السودانية واصلت وبصورة غير شرعية نقل هذه الأسلحة إلى دارفور. فمنذبدايةالعام 2011, بدأتكثيرمنذاتأنواعالأسلحةوالذخائرالتيظلتتستخدمهاكلالأطراففيدارفور – بدأتهذهالأسلحةتظهرأيضاًفيأوساطالقواتالمتقاتلةفيجنوبكردفان, والنيلالأزرقوجنوبالسودان. وكماكانالحالفيدارفور, بداأنالمصدرالمشتركلهذهالأسلحةهومخازنالقواتالمسلحةالسودانية, التيتستخدمهاووكلاؤها, ومنهمااستولىعليهامقاتلوالجيشالشعبيوالعدلوالمساواة. إن الأوصاف المشتركة بين الأسلحة والذخائر المستخدمة في دارفور, وجنوب كردفان, والنيل الأزرق, وجنوب السودان تكشف أن التاريخ يعيد نفسه: إذ أن هذه هي ذات إمدادات السلاح الدولية للسودان التي أمدت باستمرار النزاع في دارفور عبر السنوات السبع الماضية…” (“مواصلة العمل كالمعتاد: إمدادات السلاح إلى دارفور 2009 – 2012” سبتمبر 2012).
لقد آن الأوان لكي يوقف المجتمع الدولي مقارنته القائمة على الخداع حول حجم الدعم الذي تقدمه كل من جوبا والخرطوم لـ”وكلائهما” العسكريين. في الواقع آن الأوان لوقف الإشارة للجيش الشعبي – قطاع الشمال على أنه يحارب بالوكالة عن جنوب السودان. لقد آن الأوان أيضاً لوقف التظاهر بأنه لا يوجد فرق بين دوافع المليشيات المتمردة التي تنشط بلا شفقة في جنوب السودان, ودوافع الجيش الشعبي – قطاع الشمال الذي يعبر عن المظالم العميقة والتهميش الذي يعانيه شعبا جنوب كردفان والنيل الأزرق. إن رجالاً من أمثال ديفيد ياو ياو هم ببساطة أدوات للدمار والفوضى في أوساط المدنيين؛ دون أن تكون لهم أي أجندة سياسية ذات معنى. بينما يقاتل الجيش الشعبي – قطاع الشمال من أجل البقاء ومن أجل العدالة ولوضع حد للاضطهاد لأسباب إثنية أو دينية.
من هنا فهما لا يتماثلان, لا “يتساويان أخلاقياً”؛ لذلك فإن التظاهر, لأسباب تتعلق بالمصالح الدبلوماسية, أنهما كذلك – من أجل إعطاء الانطباع بحياد خادع, لهو أمر شاذ وخيانة لشعب السودان الكبير. فما دامت الخرطوم ترى أنها لا تدفع ثمناً لدعمها لهذه المليشيات التي تمارس تدميراً بشعاً في الجنوب, وما دامت إدارة اوباما, والأمم المتحدة, والإتحاد الافريقي تنظر لهذا الدعم على أنه مجرد “غسيل” – المعادل التفاوضي للـ”دعم” الجنوبي للنوبة – فإن الدبلوماسية الساعية لوضع نهاية للازمات الإنسانية المهولة في جنوب كردفان والنيل الأزرق سوف تتواصل إلى ما لا نهاية.
وسوف يؤدي ذلك بالضرورة إلى المزيد ثم المزيد من أفواج السكان النازحين إلى جنوب السودان – الذين سبق ووصل عددهم إلى حوالي 200,000 (لا يشملون اللاجئين في اثيوبيا ولا الدينكا نقوك الذي فروا إلى الجنوب بعد إحتلال الخرطوم لابيي في مايو 2011). إن تدفق هذه المجموعات السكانية على ولايتي أعالي النيل والوحدة قد أرهق الطاقات الإغاثية هناك, وعندما تبدأ فترة الجفاف بالمنطقة بعد موسم الأمطار الطويل فمن المؤكد أننا سنشهد العنف والمجاعات القاسية تدفع مزيداً من عشرات الألوف من البشر إلى الجنوب.
من غير شك إن الإقرار بالتحريف المجحف الذي تتضمنه مثل هذه “المساواة” سوف يجعل الأمور أكثر صعوبة على إدارة اوباما لكي تحافظ على المحور الرئيسي في سياستها الحالية, كما عبر عنها الممثل الخاص لإدارة أوباما في السودان برنستون لايمان: “بصراحة نحن لا نرغب في الإطاحة بالنظام [السوداني] ولا بتغييره”. أما المبرر الطبيعي لهذه السياسة فهو تأكيد لايمان بأن نظام الخرطوم قادر على “القيام بإصلاحات عبر إجراءات دستورية ديمقراطية”. وهنا نصل إلى البؤرة المظلمة الحقيقية في سياسة الرئيس اوباما حول السودان. ذلك أن التشبث بمثل هذا الإدعاء الذي لا يقبله عقل يضع الولايات المتحدة في الجانب الخطأ من التاريخ, ويعكس جهلاً واضحاً بأوضاع السخط المتصاعد في كل مكان في السودان؛ وهو يعد أيضاً بتبعات من التدمير الهائل على المدى القصير, في الواقع حتى يأتي تغيير النظام حقاً وحقيقة.
لذلك يبقى السؤال قائماً وأكثر إلحاحاً: ما هي العناصر في إدارة اوباما التي تقاوم هذه الحقائق التي لا يمكن إنكارها؟
اريك ريفز هو مؤلف الكتاب الالكتروني القادم: المساومة مع الشر: تاريخ ارشيفي للسودان الكبير, 2007 – 2012