الخرطوم تمارس الغش الإنساني اثناء القمع الوحشي
اريك ريفز 30/6/2012
بينما يتوجه إهتمام العالم المحدود لافريقيا حالياً إلى الهبة الشعبية في الخرطوم والمناطق الأخرى من السودان, لا زال النظام يمنع وصول مساعدات إنسانية حقيقية إلى النيل الأزرق وجنوب كردفان. إن توقيع الخرطوم المشروط بشدة مؤخراً على “الإتفاق الثلاثي” لا يغير شيئاً على أرض الواقع.
ففي هذا اليوم, الذي يصادف الذكرى الثالثة والعشرين للإنقلاب العسكري الذي استولت به الجبهة الإسلامية القومية/ حزب المؤتمر الوطني على السلطة, يتركز إنتباه المجتمع الدولي على الهبة الجماهيرية التي بدأت قبل أسبوعين تقريباً في (شمال) السودان. وتفيد التقارير الواردة أنه تم إعتقال أكثر من 1000 شخص بسبب مشاركتهم في احتجاجات يوم أمس (29 يونيو) بعد صلاة الجمعة, كما أصيب المئات آخرون وأختفى كثيرون في بيوت الأشباح الخرطومية سيئة السمعة. ومن المتوقع اليوم خروج مظاهرات إحتجاجية أكبر من التي سبقتها.
غير أن الأهم كان هو الانتشار الجغرافي للاحتجاجات. فمنذ أن قام النظام بحجب كثير من مواقع الانترنيت, وقطع خطوط الهواتف الجوالة أصبحت المعلومات الواردة من السودان محدودة أوغير مكتملة في أحسن الأحوال. ولا توفر وكالات الأنباء ومواقع حركة قرفنا و”السودان ينتفض” إلا معلومات قليلة جداً.
ما هو واضح الآن أن هذه الاحتجاجات هي أخطر التحديات التي واجهتها سلطة الجبهة/ حزب المؤتمر لعدد من السنين. مع ذلك يبدو أن الجهات الدولية الفاعلة تبدو قانعة باتخاذ مواقف محايدة, بل حتى متوترة إزاء هذه التطورات. فهناك حتى الآن الإدانات المعتادة ل:”الاستخدام المفرط للقوة” من قبل الأجهزة الأمنية وما شابهها, غير أن مثل هذه الإدانات لا تعني شيئاً لهذا النظام – مثلما كان الحال مع إدانات القصف الجوي للمدنيين, وللأهداف الإنسانية, والجرائم الوحشية التي ظل النظام يرتكبها لسنوات طويلة مع الإفلات من العقاب عليها.
في ذات الوقت (ودون أن يكون ذلك مستغرباً) تسعى الجبهة الإسلامية القومية/ حزب المؤتمر باستمرار لتغيير الموضوع بقدر ما تستطيع. وهذا هو التفسير لعدد مم القرارات التي صدرت عنها مؤخراً. أبرز هذه المحاولات, التي تأتي في مسعى لتلافي ما قد يأتي من إنتقادات دولية مع تواصل الانتفاضة, هو إعلان النظام التزامه الصوري بما يسمى “الإتفاق الثلاثي حول إيصال العون الإنساني” الذي اقترحته الجامعة العربية والاتحاد الافريقي والأمم المتحدة, أوائل شهر فبراير من هذا العام. وكان من المفترض أن يتيح هذا الإتفاق إيصال المساعدات الإنسانية للمدنيين الذين يحتاجونها والمهددين بالمخاطر في كل أنحاء ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق, سواء كانت هذه المناطق تحت سيطرة الحكومة, أو الحركة الشعبية/ الجيش الشعبي لتحرير السودان – قطاع الشمال. وبرغم أن الحركة الشعبية وافقت على المقترح فوراً (9 يونيو), رفضت الخرطوم الموافقة, وأرجأت عدة مرات إتخاذ قرار بهذا الشأن, مدعية أنها تحتاج إلى المزيد من الوقت “لدراسة المقترح”.
اليوم بعد مرور خمسة أشهر, وبعد أن أسفر فصل الخريف عن بداياته الحقيقية, وأصبحت الطرق لاتسمح بالعبور في أماكن كثيرة, وافق النظام على الإتفاق – كما يقول, وكما ورد عنه من عدة جهات. غير أن هذه الموافقة الصورية لا تعدو أن تكون سذاجة خطرة, فحتى السيدة فاليري آموس, مسئولة العون الإنساني بالأمم المتحدة, والمعروفة بشدة الحيطة الحذر, أعلنت بصورة قاطعة أمس (نقلاً عن المركز الأخباري للأمم المتحدة) أنه:
“على الرغم من أن الحكومة السودانية أعلنت عن قبولها باقتراح الجامعة العربية والاتحاد الافريقي والأمم المتحدة الخاص بإيصال المساعدات الإنسانية إلى جنوب كردفان والنيل الأزرق, فإن الحكومة قد وضعت شروطاً غير عملية لا تسمح بإيصال المساعدات عبر أطراف محايدة إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة الحركة الشعبية – قطاع الشمال.”
وأضافت السيدة آموس:
“لذلك فإنني أواصل دعوة حكومة السودان للوفاء بالتزامها المعلن بأن المساعدات سوف تصل لكل السودانيين الذين يحتاجونها”. وكررت آموس بذلك التزام الأمم المتحدة بالعمل مع كل الأطراف “لإيجاد حل مقبول لتقديم العون الإنساني لكل الذين يحتاجونه”
رئيس مكتب الأمم المتحدةلتنسيق الشئون الإنسانية كان واضحاً للغاية عندما قال:
“وضعت الحكومة شروطاً عملياتية لا تسمح بإيصال المساعدات عبر أطراف محايدة إلى المناطق التي تقع تحت سيطرة الحركة الشعبية – قطاع الشمال”
وذلك في حين أن إيصال المساعدات الإنسانية عبر وكالات إغاثة محايدة إلى المناطق التي يحتلها الثوار في النيل الأزرق وجنوب كردفان هي القضية الرئيسية في الإتفاق الثلاثي. في واقع الأمر وضعت الخرطوم شروطاً صار معها من المؤكد أن لا شئ سيتغير على الأرض, إلا بالقدر الذي سيسمح به النظام.
فقد جاء في البيان الذي أصدرته الحكومة في اديس ابابا في 27 يونيو 2012, ما يلي:
استناداً إلى المبادئ التسعة المذكورة أدناه حول توزيع العون الإنساني, يتولى عملية التوزيع الهلال الأحمر السوداني وأي منظمة غير حكومية أخرى توافق عليها حكومة السودان, تحت مراقبة برنامج الغذاء العالمي وطرائق التنفيذ التي يتفق عليها”
إن إعطاء الخرطوم الحق في “الموافقة” على منظمات إنسانية بعينها هو خطأ فادح للغاية. إذ لا يحتاج المرء لأكثر من إجالة النظر في مصير هذه المنظمات في دارفور في الفترة الماضية التي تزيد عن العقد قليلاً – بما في ذلك تعليق أنشطة منظمة أطباء بلا حدود في شمال دارفور مؤخراً. فبعد أن واجهت هذه المنظمة عراقيل ومضايقات لا تنتهي من مفوضية العون الإنساني في الخرطوم, وجدت المظمة أنها بلا فائدة تذكر:
“قالت منظمة أطباء بلا حدود إن معوقات إجرائية من قبيل الحصول الحصول على تصاديق لشحن الإمدادات الطبية أجبرتها على تعليق معظم أنشطتها في منطقة جبل سي, وهي منطقة نزاع في ولاية شمال دارفوركانت منظمة أطباء بلا حدود هي الجهة الوحيدة التي تقدم فيها خدمات صحية, “إن تقليصنا لأنشطتنا في جبل سي سيترك أكثر من مائة ألف شخص في المنطقة بلا أي خدمات طبية”, كما جاء في تصريح للسيد البرتو كريستينا مدير عمليات أطباء بلا حدود في السودان (رويترز, الخرطوم 22 مايو 2012). هذا مثال واحد فقط من أمثلة لا تحصى.
وقد وضع النظام تسعة مبادئ أصر على العمل بها إذا كان لعمليات الإغاثة أن تبدأ. وهي جميعاً, إما تعبر عن دعاوى الخرطوم بالسيادة الوطنية, أو عن رفضها للاعتراف بالمدى الذي وصلته الأزمة (رقم 4 من هذه المبادئ, على سبيل المثال, يدعي أن الخرطوم قدمت مساعدات للسكان الأكثر تعرضاً للمخاطرفي النيل الأزرق وجنوب كردفان – وهي كذبة).
1- “الالتزام الصارم بسيادة السودان ومسئولية حكومة السودان في المحافظة على سيادة البلاد ووحدة أراضيها, بجانب حقها في حفظ الأمن وتطبيق القانون..”
4- الاعتراف بما قدمته حكومة السودان من مساعدات إنسانية للمناطق المتأثرة في الولايتين
5- التأكيد على الحق السيادي لحكومة السودان في الإشراف على عمليات الإغاثة الإنسانية في كافة مناطق السودان.
6- “تأكيد الشراكة بين حكومة السودان والأطراف الثلاثة المانحة في مراجعة الترتيبات الفنية لحل مشاكل العون الإنساني في المناطق المتأثرة”.
9- اعتماد وتطبيق القوانين واللوائح والموجهات التي تنظم العمل الإنساني لحكومة السودان في كل من الولايتين.
ويصر النظام الذي يبدو واضحاً أنه يضع تجربة دارفور نصب عينيه, على “الإتفاق على أطر زمنية محددة لعمليات العون الإنساني”. كما احتفظ النظام بالحق النهائي في طرد أي منظمة تعمل في هذه لمناطق.
وإذا أخذنا في الاعتبار الذور الرئيسي الذي توليه الخرطوم للهلال الأحمر السوداني يجب أن نتذكر أيضاً أداء الهلال الأحمر السوداني, في كادقلي في يونيو من العام الماضي, بوصفه منظمة العون الإنساني للنظام. فهذه المنظمة لن تستطيع أبداً أن تمحو واقعة سماحها لضباط الأمن السوداني بارتداء زي الهلال الأحمر, وما صاحبه من اختفاء 7000 من مواطني كادقلي الذين لجأوا لمعسكر الأمم المتحدة طلباً للمساعدة (الاسشويتدبرس, جنيف, 28 يونيو 2011).
فقد تناولت تقارير وكالات الأمم التحدة, بكثافة, أوائل هذا الشهر قضية هؤلاء ال 7000 مدني. وأوضحت هذه التقارير أن هؤلاء المدنيين سعوا للاحتماء بالمعسكر بسبب اندلاع القتال في كادقلي, وقد تم تزويدهم بالمياه والغذاء الخدمات الطبية والناموسيات لعدة أيام. لكنهم إختفوا فجأة يوم 20 يونيو. وقد وجد تقرير داخلي للأمم المتحدة حصلت عليه وكالة الاسشويتدبرس, أن عملاء من جهاز الأمن السوداني – وقد جاء بعضهم بوصفهم عاملين في الهلال الأحمر – طلبوا من أولئك المدنيين العودة إلى كادوقلي لحضور خطاب يلقيه والي الولاية, والحصول على مساعدات إنسانية, وهددوا اللاجئين بإجلائهم بالقوة من المعسكر إن هم رفضوا العودة إلى كادوقلي.
ولم يتحدد حتى الآن مصير هؤلاء المدنيين ال 7000, حتى بعد أن توفرت أدلة قوية جداً – صور لأقمار صناعية ومقابلات مع شهود عيان من كادوقلي – بأن عدداً من المقابر الجماعية الكبيرة جداً تم كشفها داخل وحول البلدة. كما أن عدد المدنيين الذين اختفوا قد يكون أكبر من ذلك, إذ يذكر تقرير تسرب من الأمم المتحدة حول الأحداث التي وقعت في كادقلي في 20 يونيو 2011:
“بحلول الثامن من يونيو وصلت إلى محيط الحماية التابع لمجمع الامم المتحدة موجة من النازحين يتراوح عددها ما بين 6000- 7000 شخص, يحاولون الاحتماء من القتال المتواصل, بينما هرب حوالي 1000 آخرون من كادقلي نحو الشمال. وبحسب تقديرات تجمعت من بعثة الأمم المتحدة في السودان, والمفوضية السامية للاجئين, ومكتب تنسيق الشئون الإنسانية, وصل عدد اللاجئين الذين احتموا بالمكان, بحلول يوم 20 يونيو, وهو اليوم الذي بدأ فيه النازحون مغادرة محيط الحماي, إلى 11,000 نازح (يوليو 2011).
خلاصة الأمر أن الهلال الأحمر السوداني سمح لنفسه ان يكون متآمراً في جريمة القتل التي تعرض لها, على الأرجح, هؤلاء الناس.
يذكر التقرير في الفقرة 54: “وقد شاهدت وحدة حقوق الإنسان لبعثة الأمم المتحدة في السودان ضابطاً معروفاً بجهاز الأمن السوداني, يرتدي صدرية عاكسة للهلال الأحمر السوداني, وهو يهدد النازحين. وعندما سأله أفراد وحدة حقوق الإنسان عن هويته أقر ذلك الشخص بأنه يعمل بجهاز الأمن الوطني, وقال إن لديه تعليمات من سلطات الولاية بإبعاد النازحين من محيط الحماية التابع للبعثة. وذكر النازحون في مقابلات أجريت معهم بأن أفراد الهلال الأحمر السوداني أخطروهم بضرورة إخلاء محيط الحماية بحلول الساعة 16:00, وأن النازحين خافوا من أن تجليهم قوات الاحتياط المركزي بالقوة إن لم يغادروا المكان”
وبالطبع يخضع الهلال الأحمر السوداني, في النهاية, وبصورة كاملة لسلطات مفوضية العون الإنساني, وبالتالي للنظام الحاكم في الخرطوم. ومرة أخرى لم تقدم الأمم المتحدة أبداً تقريراً عن هؤلاء الألاف من المدنيين الذين كانوا يبحثون عن الحماية لدى الأمم المتحدة.
غير أن الاكثر دلالة هو تخطيط الخرطوم الواضح لتجويع سكان هاتين المنطقتين المكلومتين, كجزء من من استراتيجية قائمة على الإبادة لمواجهة المجموعات المسلحة. فقد ذكرت هيومان رايتس ووتش في تقرير صدر مؤخراً (4 مايو 2012), إستناداً على زيارة لدراسة الأوضاع في جنوب كردفان تمت في منتصف شهر ابريل 2012:
“سافر باحثون من منظمة هيومان رايتس ووتش إلى المنطقة في منتصف ابريل 2012, وأجروا مقابلات مع ضحايا وشهود في ثلاث مناطق. وقد اتفق هؤلاء الضحايا والشهود في وصفهم للقصف الجوي الذي يتعرضون له من القوات الحكومية بصفة يومية تقريباً, وتدمير المحاصيل التي تعتمد عليها حياتهم, والاعتقال العشوائي, والعنف الجنسي الذي تتعرض له النساء..
وينتمي الناس الذين يتعرضون للهجوم وتُدمر مصادر غذائهم, جميعاً, إلى المجموعات القبلية للنوبة, وهي ذات المجموعة الإثنية التي سعت الخرطوم لتجويعها حتى الموت في التسعينيات. وينص العهد الدولي لمنع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية, بوضوح, على أن أعمال الإبادة هي تلك التي تؤدي, بصورة مقصودة, إلى “إيجاد أوضاع حياتية لجماعة وطنية, أو إثنية, أو عنصرية, أو دينية, مصصمة بحيث تقود إلى القضاء المادي عليها كلياً أو جزئياً”. وهو على وجه التحديد ما يقوم به نظام الخرطوم.
وقد ذكر مالك عقار, الوالي السابق لولاية النيل الازرق ورئيس الجبهة الثورية السودانية (التي تضم الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال), اليوم (30 يونيو 2012) بأن ولاية النيل الأزرق “تشهد يومياً موت العشرات من المواطنين بسبب نقص الغذاء والعلاج” (رويترز, اديس ابابا, الخرطوم 30 يونيو 2012). هذا العدد سيرتفع في القريب العاجل ليصبح مئات الأشخاص يومياً. وبالنظر إلى التردد المخزي للمجتمع الدولي فمن المؤكد أن يصل العدد النهائي إلى عشرات الألوف. في الحقيقة فإن الأمور تنبئ بضياع مئات الالوف من الأرواح على الأرجح في آخر الأمر.
فاللاجئون الذين يصلون الآن إلى جنوب السودان عادة ما يكونون في حالة مزرية. وهم يقولون لنا الكثير عن أولئك الذين بقوا وراءهم, ممن لم يستطيعوا الانتقال إلى الجنوب (المسنين, والضعفاء, والأطفال الصغار, والمرضى, والجرحى). وقدأخذت أعداد الذين يصلون تتزايد باستمرار وبما يفوق طاقات العون الإنساني, خاصة في أعالي النيل, التي هربت إليها أعداد هائلة من البشر قادمة من النيل الأزرق. وقدرت منظمة أطباء بلا حدود, قبل عدة أسابيع,أن 4000 لاجئي يتدفقون على جنوب السودان يومياً, وهو رقم قد تصاعد على الأرجح.
إلا أن الوصول إلى الجنوب لم يعد كافياً الآن, كما أكدت على ذلك منظمة أطباء بلا حدود في تحذيرات متتالية ومتصاعدة منذ عدة أسابيع. فقبل اسبوع (23 يونيو), أصدرت منظمة الإغاثة الطبية تقريراً حول الأوضاع المريعة التي تواجه هولاء الأشخاص الذين كثيراً ما يمشون على أقدامهم لأيام عديدة, وينالهم ضعف شديد لنقص الغذاء والماء. وحذرت منظمة أطباء بلا حدود من أن:
“اللاجئين السودانيين الذين تفرقت بهم السبل في جنوب السودان بلا ماء تقريباً, سوف يحصدهم الموت الآن” بأعداد كبيرة إن لم تستجب وكالات العون ااإنساني فوراً للأوضاع التي وصلت إلى “حالة الطوارئ الكاملة”. وقد عسكر من هؤلاء حوالي 16 ألف شخص على جانب طريق ترابي في ولاية أعالي النيل, بعد أن هربوا من القتال الدائر بين الجيش والثوار في السودان المجاور. وقالت منظمة أطباء بلا حدود أن كل الماء الموجود لديها سينفد خلا 8 أيام.
كذلك قال فويتك اسزتباسكي, منسق الطوارئ لمنظمة أطباء بلا حدود في ولاية أعالي النيل لشبكة الإنذار في نيروبي:
“إن العاملين في الإغاثة يقولة إن اللاجئين في المنطقة يموتون الآن نتيجة لفقدان السوائل والإسهالات. لذلك فعلى الوكالات المعنية أن تغير إلى ترس السرعة الآن, وأن تعمل على أساس أن هذه حالة طوارئ كاملة, لن يكون بإمكانها الآن التخطيط لأسابيع أو شهور لكي تبلغ الأمور حد الكمال, بل عليها الإسراع بالبدء بأنشطتها فوراً”
“لذلك ضعوا ترس السرعة في وضع الطوارئ وتأكدوا تماماً من خطورة الموقف, لأننا إن لم نفعل ذلك فسوف يتساقط الناس كما الذباب”. وقد دخلت وكالة الأمم المتحدة للاجئين في سباق لنقل اللاجئين بالشاحنات من الموقع المؤقت الذي أطلق عليه: ك 18, إلى معسكرجديد يبعد 60 كلم, وذلك قبل أن يجعل موسم الأمطار الطرق غير صالحة للاستعمال. كذلك حذرت منظمة أطباء بلا حدود من أنه في حالة هطول أمطار غزيرة في الأسبوع القادم, فإن اللاجئين سيُتركون تائهين في الخلاء بلا ماء في منطقة تصل فيها درجات الحرارة نهاراً إلى أكثر من 40 درجة مئوية”.
ومنظمة أطباء بلا حدود ليست هي الوحيدة التي أطلقت صافرات الإنذار, فقد ذكرت المنظمة الدولية لللإنقاذ, ومنظمة سماريتان بيرس أن أطفالاً كثيرين بدأت تظهر عليهم علامات “سوء التغذية الحاد”, وأعلنت أوكسفام أنها ترى “أننا في طريقنا من الأزمة إلى الكارثة”. بينما وضعت منظمة إنقاذ الطفولة القضية في صورتها العريضة قبل عدة أسابيع قائلة: “إن تركيبة مسمومة من النزاعات, والأسعار المرتفعة للغذاء والوقود, ونقص حاد في النقود تركت آثاراً مدمرة على المدنيين في كلا البلدين – وإذا علمنا ان الأمطار على الأبواب فلا يمكن تصور وضع أكثر حرجاً”
هذا التدمير والمعاناة الإنسانية الفادحة هي أمر مقصود من جانب نظام الخرطوم. وإلى أن يصل المجتمع الدولي إلى هذه الحقيقة الأساسية ويتعامل وفقاً لها, فإن النظام في الخرطوم سيواصل إعتداءاته الهادفة للإبادة على المدنيين في جبال النوبة والنيل الأزرق. غير أن النظام يواجه فى الذكرى الكالحة الثالثة والعشرين لإنقلابه أعداداً متزايدة من السودانيين الشجعان. لذلك فإن الإستبداد الوحشي الذي يرغبون في إنهائه لا يستحق أي إشادة عن إتفاق انتهازي خبيث حول “إيصال العون الإنساني”
اريك ريفز
(كتب اريك ريفز, الاستاذ في كلية سميث, اصدارات عديدة حول السودان, نُشرت داخل السودان وحول العالم, وذلك على مدى أكثر من عقد. وهو مؤلف: الموت في يوم طويل: اللحظات الحرجة في في الإبادة الجماعية في دارفور)